(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا)
على هذه الأسس بنى الإسلام سياسته الإصلاحية فيما بين المسلمين والمسلمين، وفيما بين المسلمين وغيرهم من الأمم المختلفة. والذي يهمنا في هذا البحث هو استخلاص القواعد التي وضعها الإسلام تنظيما للعلاقات الدولية: وذلك ينتظم:
١ - القواعد التي ينظم بها علاقته بالدول الأخرى
٢ - القواعد التي ينظم بها علاقته بمن يعيشون في بلاده من غير المسلمين
العلاقة بالدول الأخرى
إن العلاقة بين المسلمين وغيرهم لا تخرج عن إحدى حالتين: إما حالة سلام ووئام، وإما حالة حرب وخصام. وفي ضوء ما تقدم نرى الإسلام ينظر إلى الحالة الأولى على أنها الحالة الطبيعية الأصلية، ولا يطلب من غير المسلمين فيها إلا أن يخلّوا بينه وبين ما يريد من الدعوة إلى مبادئه دون أن يضعوا في طريقه العقبات، أو يثيروا أمامه الفتن والمشكلات. ذلك بأن دعوته هي دعوة الحق والعقل والصلاح الرشاد؛ وأن العقول إذا خليت وشأنها ارتاحت إليها وآمنت بها عن طريق الاقتناع والرضا، لا عن طريق الإلجاء والقهر
(أُدْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن)(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)(لا إكراه في الدين. قد تبين الرشد من الغي)
(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين!)
وهكذا يقرر القرآن أن الدعوة إلى الله لا يكون طريقها الإلجاء والقهر؛ وإنما يكون طريقها الحجة والبرهان. ولو تركه الناس يسري بحجته وبرهانه، وخلوا بينه وبين العقول، ولم يضعوا في طريقه العراقيل، لما سفكت قطرة واحدة من الدم في سبيل الله، ولغزت دعوته العقول، ونفذت إلى القلوب
والإسلام يسلك في هذه الدعوة السلمية الاقناعية كل طريق تواضع عليه الناس في دعوتهم إلى المبادئ ودفاعهم عنها، وبيانهم لمزاياها: من خطب في المجتمعات، ومن كتب يرسلها إلى الملوك والرؤساء، ومن وفود يتلقاهم ويحسن وفادتهم، ويبين لهم ما يدعو إليه