وهو مقهور على مراعاة تلك الرقابة ما دام يتطلع إلى بعض المناصب العالية، وهي مناصب لا تمنحها الدولة إلا لمن يرضى عنهم المجتمع، وهنا يكون الخطر على حرية الفكر والرأي، ويكون الجحود لما وهب الله الناس من قلوب وعقول
التضامن الأدبي
وبعد عرض هذه الصورة التي تمثل ما صرنا إليه نوجَّه الأسئلة الآتية:
هل من مصلحة مصر - ولها الزعامة الأدبية في الشرق العربي والإسلامي - أن يشعر المفكرون من أبنائها بأنْ لا سبيل إلى الظفر بما تؤهلهم له مواهبهم من كبار المناصب إلا بمصانعة الدولة ومصانعة المجتمع؟
وهل من الخير لمصر أن تكون مناصبها العلمية والأدبية وقفاً على من يملكون أكبر نصيب من القدرة على إخفاء ما يثور في صدورهم من آراء وأهواء؟
وهل من الممكن أن يزدهر الأدب العربي وهو مصدودٌ عن الترجمة الصحيحة للأزمات التي تضطرم في صدور أهل هذا الجيل؟
وكيف تقوى لغتنا على منافسة اللغات الحية وهي أداة ضعيفة بسبب الكَبْت المفروض على قادة الفكر وحَمَلة الأقلام؟
نترك الدولة ونترك المجتمع إلى أن تفهم الدولة ويفهم المجتمع أن حرية الفكر والرأي هي المزية التي يُفضَّل بها الشعوب على بعض، ونسأل رجال الفكر والرأي عن واجبهم في حماية الأقلام والعقول، وما سألناهم هذا السؤال إلا ونحن نعرف أنهم آخر من يتقدمون لحماية الفكر والرأي من عدوان المخادعين والمرائين
ومعاذ الأدب أن أُنكر أن الأدباء يتعاونون ويتساندون من وقت إلى وقت، ولكني مع ذلك أشعر بأن التضامن الأدبي غير موجود بمعناه الصحيح
وكيف أطمئن إلى وجود التضامن الأدبي وأنا أعرف أن الأديب لا يجد من ينصره إذا تنكرت له الدولة أو تنكر له المجتمع؟
الأديب لا يعيش عيشاً مقبولاً في مصر إلا إذا راض نفسه على شمائل ينفر منها الذوق في أكثر الأحيان، كأن يعلن أنه راضٍ عن كل ما اتفق عليه العُرف من عادات وتقاليد، وكأن يتبرأ من كل من يتعرض لنقد الشرائع والقوانين