لا يعيش الأديب في مصر إلا إذا تخلق بأخلاق فلان. وفلان هذا رجل عاقل إلى أبعد حدود العقل. هو رجل يواجه قومه بما يحبون، فيدعوهم إلى السلم إن جنحوا للسلم، ويدعوهم إلى الحرب إن مالوا إلى الحرب؛ وهو يساير أهواءهم بخضوع لا نظير له ولا مثيل، وكأنه حمل مشدود إلى ظواعن القطيع!
ولفلان هذا زملاء يشاطرونه التمتع بنعمة (العقل) ولن يتقدم الأدب على أيديهم خطوة واحدة، لأن الأدب لا يحيا إلا في جو الحرية الفكرية والوجدانية؛ ولأن الأدب لا يعترف بوجود المرائين، ولو جُنّ الدهر فخلع عليهم أثواب الغنى والأمان.
الأدب ينتظر ثورة وجدانية وروحية وعقلية ليعلن حقه في الوجود
الأدب يطمع في أن يكون أداة التعبير عما في هذا العصر من أوهام وأحلام وحقائق وأباطيل، فيرج الأذهان والعقول بأقوى وأعنف مما يصنع الزلزال
الأدب يريد أن يكون صوراً صوادق لما عند أهل العصر من فجور وعفاف وإلحاد وإيمان، ليشعر الناس بأن الأدب ليس زخرفاً من القول، وإنما هو بعث وإحياء
ولكن الأدب سيظل مقيداً مغلولاً إلى أن يعرف أهله قيمة التضامن الأدبي، فمتى يعرفون؟ ومتى نطمئن إلى أن حرية الرأي لها أنصار بين أعلام الفكر وأقطاب البيان؟
لو ضمنا عطف الأدباء بعضهم على بعض لزهدنا في رفق الدولة وعطف المجتمع، فنحن ننتظر أن تقوم للأدب دولة تعصم أبناءها من التعرض لأذى الجاهلين، وتغنيهم عن انتظار الرزق الحرام، وهو الرزق المجلوب بمصانعة أهل الغفلة والجمود
المال والبنون
كنت أنكر على علماء النحو أن يقولوا إن واو العطف لا تفيد الترتيب، وكانت حجتي أن البليغ يقدم الأهم على المهم حين يعطف بالواو، بدليل قول القرآن:(المال والبنون زينة الحياة الدنيا) فما قدَّم المال إلا لأنه آثر في زينة الحياة من البنين
ثم تذكرت هذه الحقيقة النحوية حين قرأت كلمة الأستاذ عباس العقاد في التعقيب على الكلمة التي نصصت فيها على حقوق الوارثين؛ فقد كنت قررت أن انعدام الميراث يشل العزائم الإنسانية، ويروض الناس على الاكتفاء بجمع ما يغنيهم يوماً بيوم
ويرى الأستاذ العقاد أن طلب المال كطلب العلم، فهو فطرة لا تتوقف على التوريث ولا