على ما يعقبه الأدباء للأبناء وهذا الرأي حق، وقد تذكرت به الكلمة المنسوبة إلى الرسول (جائعان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال)، أو لعله قال:(منهومان)، فما أذكر بالضبط نص هذا الأثر النفيس
وصدَق الأستاذ العقاد فيما رواه من أحوال ناس ليس لهم أعقاب ولا يُخشى على أموالهم النفاذ لو بسطوا فيها الأكف بالإنفاق عشرات السنين
وأنا لم أبعد من الصدق حين قررت أن انعدام الميراث يشل العزائم الإنسانية، فأمامي أحوال كثيرة تشهد بأن الرجل تفتُر عزيمته في جمع المال حين يشعر بأن أملاكه قد تصير إلى غير من يحب من الأقربين، أو حين يرى أن أبناءه ليسوا من النجباء، وأن أملاكه قد تبدَّد بعد موته بقليل. وتلك أحوال يعرف منها الأستاذ العقاد مثل الذي أعرف، وهو نفسه قد نصّ على لون من لوعة الآباء حكاه له الدكتور يعقوب صرّوف
الذي يهمني هو رأي الأستاذ العقاد فيمن يجمعون المال ويحرصون عليه مع يقينهم بأنه لا وارث لهم غير من يتمنون لهم الموت من لئام الأسباط أو لئام الأقرباء
ما رأي الأستاذ العقاد في هؤلاء من الوجهة الأخلاقية؟
الجمهور يرى هؤلاء من الغافلين، وقد نُظمِت فيهم أشعار، وقيلت فيهم أمثال، وتعقَّبهم الناس بالغمز واللمز في جميع العصور وفي جميع البلاد
أما أنا، فأرى هؤلاء على جانب عظيم من قوة الإحساس بالوجود، وأراهم نماذج حسنة من الوجهة الخلُقية. . . ولكن كيف؟ وهل من السهل أن تنقض نظرية رحب بها الناس منذ مئات الأجيال؟
أخاطر مرة جديدة فأقول: إن حب المال دليلٌ على العافية الروحية، فما يحب المال غير الأصحاء، ولا يزهد في المال غير الأموات أو أشباه الأحياء
والمال يفرض على محبيه أن يكونوا من أهل النشاط والنظام والتدقيق، وتلك شمائل لا يتصف بها غير أهل العافية الروحية وإن أعوزَتهم العافية البدنية. أما الزاهدون في المال، فهم خلائق ضعاف لا يصلحون لدنيا ولا دين
والشخص الميت هو الذي لا يعرف قيمة المال، ولا يفهم - لأنه ميت - أن المال سناد الأحياء، وأنه شاهدٌ على أن أصحابه أدَّوا واجبهم في مصارعة أمواج الوجود