وأنا أؤكد هذا القول بعنفٍ يصل إلى الإلحاح البغيض، لأني أرى أهل مصر في احتياج إلى من يدق ناقوس الخطر ليذكرهم بوجوب التأمل في هذه المعاني
أنا أكثرت من القول في هذه الشئون، حتى صح للدكتور إبراهيم ناجي أن يقول في إحدى المحاضرات بأن أدب زكي مبارك مستوحّى من غريزته في حب الحيازة والامتلاك
ولو كان هذا القول صدقاً في صدق، لبحثت عن أسلوب غير الأسلوب الذي ارتضيته في حياتي، وهو احتراف التعليم والتأليف، فمن المؤكد أن الأوقات التي أبذلها في خدمة الحياة الأدبية، كانت تجعلني أغنى الناس لو بذلتها في الاتجار بالتراب
الحياة خدعتْنا فزينت لنا احتراف التعليم والتأليف، فما الذي يوجب أن نطوي عن قومنا ما فطنّا إليه بعد فوات الوقت؟ نحن نرى أن جمع المال ليس بعيب، ونحن ندعو مواطنينا إلى الاعتصام بالمال، فقد قدمه الله على الاعتصام بالبنين
المفتونون بجمع المال هم في نظري أعرف الناس بقواعد الأخلاق!
وهل أخطأ أسلافنا حين قررّوا أن الغنيّ الشاكر أفضل من الفقير الصابر؟
الفقر كريه الطعم، قبيح اللون، فاقتلوه حيث ثَقِفتموه
الفقر فضيحة علنية. الفقر أكبر الذنوب، وأشنع العيوب
حاربوا الفقر، حاربوه، حاربوه، فهو أقدر البلايا على إذلال الرجال!
يقول المثل الفرنسي: (قل لي مَن تصاحب، أقل لك من أنت)
وأنا أقول: (قل لي ماذا تملك، أقل لك من أنت)
أقبح عيب يوصَم به الغني هو البخل، وأقبح عيب يوصَم به الفقير هو السؤال، وما أبعد الفرقَ بين البخل والسؤال!
هل يعرف الغافلون من الذين يشتموننا ظالمين أننا لم نَدْعُهم إلا إلى إكرام أنفسهم بالحرص على طلب الرزق الحلال؟
الذي لا ينفق عشر ساعات من كل يوم في طلب الرزق ليس بأهل للعيش
والذي لا يجعل من همه أن يعيش مستوراً ويموت مستوراً ليس بأهل للظفر بنعمة الكرامة الذاتية
والذي يعجز لفقره عن إنجاد إخوانه من وقت إلى وقت لا يجوز له التوهم بأنه من أحرار