وليس يدخل في ذلك أن يجتمع الرجل بالمرأة في جماعة من الرجل الأجانب، فإن الحراسة المقصودة من وجود المحرم معدومة؛ بل هذه من أشد أنواع الخلوة خطراً على حياة المرأة وعفتها؛ فضلاً عما يجره إليها من الريبة وسوء الأحدوثة
كما أنه لا يدخل في حدود الاختبار المباح أن يجتمع بالمرأة في حضرة عدد من النساء. فإن انفراد النساء برجل واحد يعد في الشرع من الخلوة المحظورة. ووجهة الإسلام واضحة في ذلك؛ فإن الأثر السيئ الذي ينشأ عن هذا الاجتماع لا يقف عند سمعة امرأة واحدة؛ بل يتطاير شرره إلى هذا العدد من النساء جميعاً.
والإسلام يدرأ الشر من أبعد طرقه، ويحتاط له في كثير من المبالغة، حفاظاً على السمعة، واستبقاء للشرف والكرامة، وخاصة فيما يتصل بالأعراض. ولما كانت أسباب الرغبة في المرأة كثيرة، وتختلف باختلاف نزعات الرجال وميولهم، بينها النبي (ص) أو بين أهمها وأولاها بالاعتبار فقال:
(تنكح المرأة - والنكاح في كل ما نذكره معناه الزواج - لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين ثرَبت يداك) فهذه أهم الأسباب التي ينبغي أن تدور حولها الرغبة في الزواج، وهي الأسباب التي ترى الناس يلتمسونها في الخطوبة؛ والنبي (ص) يُقرنا على اعتبار تلك المزايا. غير أنه لما كان الدين عند الناس في الموضع الأخير من تقديرهم، مع أنه خير ما يُرجى في الزوجة - أكد علينا النبي (ص) أن نفضل ذات الدين على غيرها، وأن نلتفت إلى الدين قبل سواه فيمن نريدها زوجة أمينة على الشرف، وعلى طهارة النسل، وأن نبني منها نسباً، ونتخذ منها صهراً
أكد علينا النبي (ص) أن نؤثر ذات الدين، ولو لم تكن ذات مال، ولا جمال بارع، ولا حسب، والحسب هم الأهل الطيبون، وقد بالغ في تأكيده حتى قال: ثربت يداك، وهذا دعاء بالفقر في أصل معناه، ولكنه غير مقصود وإنما يجري على لسان العرب في مقام التنبيه على أمر ذي بال، وهكذا أراد منه سيد العرب وأفصحهم (ص)؛ فإن اجتمعت هذه المزايا لزوج محظوظ فذلك فضل من الله يشكر، وإن اجتمع مع الدين بعضها فتلك نعمة لا تكفر. أما إذا ضاع الدين في المرأة فلا خير في مالها، ولا حسنها، ولا أهلها، وفي هذا ينطق الوحي على لسان الرسول (ص) فيقول: (لا تنكحوا النساء لحسنهن فلعله يرديهن، ولا