للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عليه كثيراً من الأقاصيص والروايات، وينظم كثيراً من الأشعار، ثم يعرضها على أستاذه فكان هذا يظهر له أغلاطه ويبسط له نقده ثم يُقدَّم له النصح ويتلف ما كتبه التلميذ، وكانت هذه القسوة من أكبر العوامل في خلق عبقرية موبسان. إذ أنها كانت تدفعه إلى الإبداع والتجويد، ولو كانت على غيره لقتلت مواهبه وقضت عليه القضاء الأخير، ولكن النبوغ يقحم كل عقبة، والعبقرية تجتاز كل الصعاب. وظهر بعد ذلك موبسان في عالم الأدب متسلحاً بكل ما يتطلبه فن القصة الرفيع من خيال واسع، وموهبة فذة، وعبقرية لا تبارى، وكانت أولى ثماره في الأدب قصة دعاها (كرة الشحم) كتبها بمناسبة حرب السبعين وفيها ينتصر للعنصر الفرنسي على العنصر الجرماني ويظهر تفوقه عليه. وقد فازت قصة موبسان هذه على خمس من القصص كتبها في الموضوع نفسه: أميل زولا وكّيار وهويسمن وآلكسي وهانّيك. حتى أن فلوبير الذي لم يكن يرضى في بادئ الأمر عن نتاج موبسان الأدبي كتب يقول عنها: (إنها تحفة رائعة جداً في إنشائها وتهكمها ودقة ملاحظاتها)

ثم أخذ موبسَّان يطل على الناس بنتاجه القصصي الرفيع الذي جمع كل ما في الحياة من مشاهد وصور يمر بها الإنسان العادي فلا يجد بها ما يهزه أو يثير مشاعره، ولكن القصصي المبدع يرى فيها خير مادة يغذي بها فنه ويستمد منها قصصه، وما هي إلا أعوام خمسة عشر حتى استطاع موبسان أن يقدم للناس ثماني عشرة مجموعة من الأقاصيص في كل مجموعة منها نحو من خمس عشرة قصة. كل ذلك عدا سبع روايات كبيرة وثلاث مسرحيات وثلاثة كتب في السياحة ومجموعة من الشعر

ولسنا نعجب لغزارة هذا النتاج الأدبي وكثرته، ولكننا نعجب للسرعة والبراعة والقوة التي أبداها موبسان في مؤلفاته عامة وأقاصيصه خاصة حتى لقد سُمي بحق (زعيم الأقصوصة الأكبر)

أما ترى معي أيها القارئ أن موبسان كتب ما يقارب الثلاثمائة أقصوصة وقلما نجد بينها واحدة تمت بصلة إلى غيرها من أقاصيصه؟ أما ترى أن أقاصيصه مختلفة الأشكال متباينة الألوان لا تربطها إلى بعضها سوى رابطة واحدة هي رابطة الفن؟

لقد توفرت لموبسان جميع العناصر الفنية والأدبية التي تؤهله لأن يكون الزعيم الأقصوصي الأول، فزخرت مواهبه بالصور الفنية والقطع الساحرة، فأخرجها ألواحاً رائعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>