التلوين بارعة التنسيق يتمشى خلال سطورها الفن وينسجم، وتلتمع بين ثناياها العبقرية وتضيء. ليس من العجيب بعد ذلك إذا علمنا أن الروائي الفرنسي الكبير ألكسندر دوماس كتب إلى موبسان يقول، دون تملق أو مصانعة:(إنك أنت الكاتب الوحيد الذي أنتظر كتبه برغبة ملحة وصبر نافد)
كان موبسان فناناً بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وفيلسوفاً في نظر كثير من الكتاب. أما أنه فنان فهذا أمر ما اختلف ولن يختلف فيه اثنان، لأن فنه يتجلى بأوضح معانيه في جميع أقاصيصه دون استثناء. ولنأخذ أية قصة شئنا من قصصه ولننظر فيها نظرة نافذة فاحصة فماذا نجد يا ترى؟
إننا نراه يقدم لنا صوراً ومشاهد من الحياة الواقعية، كثيراً ما نراها في عصرنا هذا في الحياة العملية. نراه يقدمها لنا في كثير من السهولة والبساطة والوضوح؛ ويظهر لنا أبطاله في صور وألواح هي غاية في الدقة والروعة والإبداع، صور تميزهم من كل أبطال آخرين، في أية قصة أخرى، لأي كاتب كان، وذلك تطبيقاً لوصية أستاذه فلوبير؛ كل ذلك دون أن ينسى أن ينطقهم بلغة الوسط الذي يعيشون فيه، والمهنة التي يزاولونها. وحينئذ تنسى أنك تقرأ قصة لموبسان، وتحسب نفسك أمام مشهد حقيقي تراه بناظريك، وتسمعه بأذنيك. فإذا ما بلغت القصة نهايتَها، وصحوْتَ من الحُلم الجميل الذي هيأه لك الكاتب، عجبت لاقتداره ودقة ملاحظته وعلو كعبه في التصور والتحليل. وهو منذ السطر الأول الذي يخطه في قصته، حتى السطر الأخير منها، يحاول بنجاح أن تكون رشيقة أنيقة، متسلسلة الحوادث دون تكرار، رائعة المفاجأة دون مغالاة أو ابتعاد عن الواقع
وموبسان يحب الحقيقة والواقع كل الحب، والدليل على ذلك أنه نسج أقاصيصه ورواياته متبعاً في ذلك المذهب الواقعي ولم يحد عنه إلا في أواخر حياته الأدبية. والمذهب الواقعي في نظر أكثر الكتَّاب العالميين هو أقصى غاية الفن، لذلك نرى (أميل فاجيه) يقول في دراسته عن (بلزاك): (من الجدير بالملاحظة حقاً أنه إذا كان المذهب الواقعي هو أقصى غاية الفن، فليس أصعب من أن يكون المرء واقعياً). وبالرغم من ذلك، فقد كان (موبسان) في الطبقة الأولى من الكتاب الواقعيين. وكان يصور المجتمع الفرنسي - ولا سيما الباريسي منه - بأمانة وإخلاص؛ وكان يرتاد البيوت المشبوهة وينغمس فيها حتى النهاية،