للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يظن بعضهم أنه يمكن تصور شيء على بعدين فقط كرسم على ورقة مثلاً، والواقع ينفي هذا الظن لأن الفضاء يحيط بالرسم من الأعلى والأسفل ومن اليمين والشمال ومن جميع الجهات. إذاً نحن لم نتصور المادة إلا في ثلاثة أبعاد. وإذا تساءلنا لماذا نجد هذه الخاصة في تصورنا، وجدنا عند المنطق المحض جوابين:

الأول أن تكون هذه الخاصة نفسها صفة لازمة للعالم الخارجي حولنا: أي أنه ثلاثي الأبعاد؛ وهذا التعليل لا يتعدى قولنا: إن المكان ثلاثي الأبعاد لأنه ثلاثي الأبعاد. والجواب الثاني وهو أكثر إقناعاً: أن العقل البشري اكتسب هذه الخاصة في تطوره منذ القدم. على أن هذا الاكتساب لا يعني أن فكرتنا عن المكان هي قسطاس الحق، فربما نكون قد اكتسبنا وجهة نظر ضيقة محدودة، وكان يمكن أن نتصور الكون في أربعة أو خمسة أبعاد، وبذلك نكون ككثير من الناس عاشوا في سفح جبل ولم يتسلقوه في يوم من الأيام فبقي الجبل بالنسبة إليهم كلوحة ساكنة

وقبولنا نظرية الاكتساب يعني أننا نؤمن بأن حالة الإنسان الفسيولوجية والسيكلوجية كانت العامل الفعال في اكتساب هذه الخاصة؛ ولذا ذهب بعضهم إلى أن في جسم الإنسان جهازاً يعد الزمن يحسب علينا كل ثانية تمر بنا، حتى إذا ما اكتشف في جسم الإنسان تيار كهربائي يسري بانتظام طول الحياة، قالوا إن هذا التيار هو ذلك الجهاز. على أن هذه الفكرة لم تثبت علمياً لأن الإنسان يفقد الإحساس بالزمن وهو تحت تأثير المخدر. إن فكرة الزمن هي فكرة توالي الحوادث حادثة تتلو أخرى، وكل حادثة تترك في النفس أثراً؛ وتتوالى الحوادث وتتوالى الانفعالات النفسية تبعاً لهذه الحوادث. ولما كانت هذه الانفعالات النفسية غير عكسية دائماً كان الرجوع إلى الماضي عسيراً. وترى السبب النسبي أن وجود الزمان مشتق من وجود الحركة، كما أن وجود المكان مشتق من وجود المادة؛ والحركة تعبير منفصل عن الحوادث؛ فليست ساعاتنا التي تقيس الزمن إلا حركة مستمرة، والأرض التي تعد أكبر الساعات بالنسبة لعالمنا إنما تقيس الزمن بحركتها المستمرة المنتظمة حول الشمس. وعلى هذا فحيث لا حركة لا يوجد زمن. والبعد الرابع في النسبية ليس هو الوقت مستقلاً عن أي شيء آخر، وإنما هو الوقت الذي يدخل في المعادلة السهلة: المسافة، السرعة، الزمن، الجذر التربيعي لمجموع مربعات الأبعاد الثلاثة

<<  <  ج:
ص:  >  >>