آن لآخر. وفي سنة ١٩٣٢ انتفض الأدارسة على عمال الحكومة السعودية، واضطرمت في عسير ثورة خطيرة وهوجمت القوات السعودية بشدة، وأصيبت بخسائر فادحة، وردت عن بعض المواقع الهامة، فبادر ابن المسعود بإرسال النجدات القوية إلى عسير، أخمدت الثورة بعد خطوب، وفر الزعماء الأدارسة إلى اليمن، والتجئوا إلى حماية الإمام. واستشعر ابن السعود على ما يظهر ريبا من موقف الإمام إزاء هذه الثورة، وفي أنها ليست بعيدة عن وحيه وتدبيره ومؤازرته المعنوية على الأقل، خصوصا وقد رفض ما طلبه ابن السعود من تسليم الزعماء الأدارسة بالاستناد إلى المعاهدة المعقودة؛ عندئذ عاد الخلاف بين الملكين إلى اشده، واخذ كل منهما يحشد قواته على الحدود. ومع ذلك فقد حاولابن السعود أن يبذل مجهودا أخيراً في سبيا الوفاق والتفاهم، فأرسل إلى الإمام وفد للمفاوضة، ولبث الوفد السعودي في صنعاء عدة أسابيع دون أن يوفق إلى مفاوضة الإمام والتفاهم معه؛ وقيل يومئذ أن الوفد وضع بأمر الإمام أو بأمر ولده سيف الإسلامفي حالة اعتقال. وعلى أي حال فقد فشلت هذه لمحاولة، وتفاقم الخلاف حين تقدمت القوات اليمانية شمالا في مقاطعة نجران، واستولت على بعض مواقع في جنوب تهامة، واشتبك الفريقان يومئذ في بعض المعارك المحلية؛ واستشعر العالم العربي والإسلامي خطر هذه الحرب الأهلية فرفع صوته يحذر الزعيمين من عواقبها، ويناشدهما حقن الدماء واتقاء الشر، فوقفت الحرب يومئذ في بدايتها، أصغى الفريقان مدى حين لهذا النداء الحكيم.
ولكن الحرب تعود فتضطرم اليوم بين زعيمي الجزيرة العربية ويعود الخطر فيهدد مستقبل الجزيرة بشر العواقب. واشد ما نخشى أن تكون المطامع والدسائس الاستعمارية جاثمة وراء هذه الحرب الأهلية تنفح النار فيها، وتترقب من خلالها فرص التدخل. ذلك أن المملكة السعودية بلغت من الضخامة والقوة حدا أضحى يشغل السياسة البريطانية. والمملكة السعودية (نجد وملحقاتها) تجاور بحدودها جميع مناطق النفوذ البريطاني في شبه الجزيرة؛ فهي تجاور العراق من الشمال الشرقي، وتجاور شرق الأردن وفلسطين من الشمالالغربي، وتجاور الكويت وعمان من الشرق، وتشرف على حضرموت من الجنوب؛ وقد دلل ابن السعود في أكثر من فرصة على قوته ومنعة مملكته التي تشمل جميع أواسط الجزيرة من شرقها إلى غربها ودلل بالأخص على أنه شديد الحرص على سلامة حدوده وأراضيه لا