يغضى عن أية محاولة تقوم بها السياسة البريطانية لتوسيع نفوذها داخل الجزيرة، وقد رفض مرارا ما عرضته بريطانيا من الاتفاق معه على استثمار مواد الحجاز الطبيعية، أو منحه قرضا يمكنها من التدخل في شؤون مملكته؛ وعلائق ابن السعود حسنة مع روسيا السوفيتية، والتجارة السوفيتية متفوقة في الحجاز، وهذا ما لا يرضي بريطانيا. وابن السعود يدعي ملكية العقبة وما حولها من الأراضي التي تحتلها بريطاني، ويهدد بالإغارة عليها من حين لآخر، حتى أن بريطانيا اضطرت أن تنشئ لها في العقبة مركزا بحريا ومركزا للطيران الحربي. فهذه العوامل والظروف كلها تحمل السياسة البريطانية على التوجس من صديقها القديم ابن السعود ومن ازدياد قوته ونفوذه داخل الجزيرة، هذا وأما اليمن فهي محطأنظار السياسة الإيطالية، لأن موقعها على الضفة الشرقية من البحر الأحمر تجاه مستعمرة إريترية الإيطالية الواقعة على ضفته الغربية يجعل لها في نظر إيطاليا أهمية خاصة. وقد توثقت العلائق بين اليمن وإيطاليا منذ سنة ١٩٢٨ وزار رومه يومئذ وفد يمني برئاسة سيف الإسلام ولد الإمام، واستقبل بمنتهى الحفاوة؛ وعقدت بين اليمن وإيطاليا معاهدة تجارية اقتصادية. وتقربت روسيا السوفيتية من اليمن أيضا وعقدت معها معاهدة ودية تجارية (سنة ١٩٢٩) وكان ذلك عاملا في جزع السياسة البريطانية وتطور سياستها نحو اليمن. ذلك أن بريطانيا تجاور اليمن في عدن اعظم مراكزها البحرية في البحر الاحمر، وتحتل إلى جانب عدن عدة مناطق أخرى تجاور اليمن من الجنوب الشرقي وينازعها الإمام في ملكيتها. وكان الخلاف قويا مستمرا بين الإنكليز والإمام منذ أعوام طويلة، والسياسة البريطانية تتردد بين خصومته وصداقته، وتحاول إرغامه من وقت لآخر بتنظيم الغارات الجوية على أراضيه، أن يعترف بملكيتها للمناطق التسع التي تحتلها. فلما أتجه الإمام نحو السياسة الإيطالية، وظهرت روسيا السوفيتية في الميدان تتقرب إلى اليمن، خشيت السياسة البريطانية عواقب هذه الخصومة، فعادت إلى مصانعة الإمام، ودارت بينهما مفاوضات انتهت أخيرا بعقد كعاهدة يمنية بريطانية تعترف فيها بريطانيا العظمى باستقلال اليمن، وتسوي فيها بعض المسائل المعلقة بين الفريقين، وتنظم علائقهما. فهذه العوامل والظروف كلها مما يحمل على الاعتقاد بأن اضطرام الخصومة بين الإمام وابن السعود زعيمي الجزيرة العربية ليس مما يعنيهما وحدهما، وأن نشوب الحرب بين اليمن