عندئذٍ بدا لعبد القادر أنه يصاحب شابّاً له أهداف، فوثق بي، وأخذ يحاول تبديد ما بيني وبين الوفد من بغضاء، وتلطف فدعاني إلى الاشتراك في تحرير البلاغ عند ظهوره في أوائل سنة ١٩٢٣. ولكن رفضت بحجة أن هواي لن يزال مع الحزب الوطني
ولكن عبد القادر لم ينسى؛ فكان يدعوني من وقت إلى وقت لتحرير بعض المباحث الأدبية والاجتماعية. ثم دعاني إلى الاشتراك في تحرير (البلاغ الأسبوعي)؛ ثم رأى أن أكون مراسل البلاغ في باريس حين مضيت لطلب العلم في السوربون، ثم وصلت به الثقة إلى أبعد الحدود، فدعاني لرياسة تحرير البلاغ في سنة ١٩٣١
فمن أراد أن يعرف بعض الشمائل التي رفعت عبد القادر حمزة فليذكر أنه كان يحترم أصحاب المبادئ ولو كانوا من خصومه الألداء، فالعنف الذي وقع بيني وبينه كان سبب تآخينا وتصافينا، ومن أجل هذا كان ينشر مقالاتي بلا مراجعة ولو عارضت سياسة (البلاغ)
وهنا نادرة تستحق التسجيل، لما فيها من الدلالة على قوته الخلقية!
في سنة ١٩٣٧ تعرّض البلاغ لأزمة مالية قضت بتخفيض مرتبات المحررين وإعفاء من يجوز عنهم الاستغناء، ونظرت فرأيت أن مرتبي لم يخصم منه شيء، فكنت أتغافل عن طلبه، ولكن إدارة البلاغ كانت تلاحقني فترسله إليّ بدون تسويف
وقدّرتُ في نفسي أن عبد القادر يستبقيني بالرغم من تلك الأزمة المالية، فأطعت أصدقائي من الوفديين ونقلت صحيفتي الأدبية إلى جريدة (المصري) وكان بينها وبين (البلاغ) ضغائن وحُقود. ولما سألني عبد القادر عن السبب أجبت بأني لا أرى رأيه في نشر ما كان ينشر من (فضائح الوثائق) ولم أذكر السبب الصحيح وهو رغبتي في إعفاء البلاغ من مرتبي فقد كنت أخشى أن أجرح عزة نفسي لو اقترحت العمل بالمجان، وكذلك ظلمت نفسي لأكرم صديقي بدون أن ادله على حقيقة ما أريد
وتحدث الناس بأن زكي مبارك عق صاحب البلاغ. فهل التفت صاحب البلاغ إلى أحاديث الناس؟
هيهات. فما تغيّر عبد القادر ولا تبدَّل، وإنما ظل أخاً وفياً إلى أبعد حدود الأخوة والوفاء
من يعزيني فيك يا عبد القادر، ومن يواسيني وقد غاب عني وجهك الجميل؟