ثم كان عبد القادر رجلاً يستعد للدهر والأيام اكمل استعداد. كان يدرك أن الرجل لا ينجح إلا إذا تسلح بقوة العزيمة وقوة النفس. فكان يقضى ليله ونهاره في تدبير وسائل الحياة لجريدة البلاغ. وقد حدثني مرة انه يحب أن يعيش صحفياً ويموت صحفياً، وأنه يشتهي أن ينقل لأبنائه هذا الميراث، ولم يحس أحد مدلول كلمة (المستقبل) بقدر إحساس هذا الفقيد النبيل.
عاش عبد القادر في متاعب جسام ثقال. فقد كان يعادي بعنف، ويصادق بعنف، ومن أجل هذا كانت حياته سلسلة من الآلام والآمال، والعواطف العنيفة تزلزل بنيان الجسد فتسوق إليه الموت قبل أٌوان الموت
وكان عبد القادر على قوته الصحفية يحترم حياة التأليف، لأنه أبقى على الزمان، فكان يقضي أوقات فراغه وهي قليلة في استقصاء حوادث التاريخ، ولو قال قائل بان عبد القادر هو أصدق مؤرخي مصر في القديم والحديث لما اتهمه أحد بالمبالغة والإغراق
وكان عبد القادر يحب أن تكون جريدته مَعرِضاً لجميع الآراء، فعلى صفحات البلاغ أثيرت مشكلات ومعضلات هي أقوى وأصدق ما صدر عن العقول والقلوب، وفي ميدان البلاغ تصاول المئات من أقطاب الفكر والبيان
وكان عبد القادر حر العقل، فلم يتذوق في حياته طعم البهلوانات لشعبية، ولم يفهم إلا أنه مسؤول أمام العقل، ومن هنا كانت جريدته أصدق صحيفة صانت النضال السياسي من أوضار التبذل والإسفاف
قالت جريدة المصري وهي خصم شريف:
(فقدنا زميلاً نصاوله إذا اختلفنا، ونناضله إذا احتدم النزاع)
وأقول إن النضال العف النزيه سوف يستوحش لغياب عبد القادر، وسوف يذكر خصومه أنهم فقدوا رجلاً كانت خصومته من علائم التشريف
أن جريدة المصري تكافح كفاح الأبطال في إعزاز الصحافة المصرية، فهل يدري صاحبها ومحرروها أن صاحب البلاغ كان السابق إلى رفع قواعد هذا البناء؟