محنكا، لا ينجح في خططه إلا إذا أسعفه جيش له صفات ممتازة واستعداد حسن يكفلان تنفيذ خطته على الوجه الأكمل. كذلك لا ينجح المصلح في إصلاحه إلا إذا كانت البيئة التي يعمل في دائرتها مستعدة لتلقي تعاليمه، غير متأبية بطبعها عليها.
والأستاذ الأكبر المراغي مصلح قد وضع خطط الإصلاح فأحسن وضعها، ولكن طبيعة الأزهر تحتاج في علاجها إلى الصبر ومثابرة وحسن تأت وسعة حيلة، كما تحتاج إلى انتهاز الفرص، وبث الدعاوة للأفكار الصالحة، وخلق القدوة وضرب المثل وتشجيع العاملين ومكافئة المنتجين. وكل ذلك يفعله الأستاذ الأكبر إلا تشجيع العاملين ومكافئة المنتجين: فهو حين يدرس يضرب للأزهريين بدراسته أحسن الامثال، ويعلمهم كيف يكون الإخلاص للعلم والاعتماد على الدليل والبرهان، ووزن النظريات العلمية بقيمتها الذاتية، لا بمنزلة أصحابها والقائلين بها؛ وهو يحسن الدعوة إلى مبادئ الإصلاح وينتهز لها الفرص؛ وهو يصابر الأزهريين ويحتال لهم، ولكنه لا يعمل شيئاً يشعر به العامل أنه راض عنه، يشعر به المهمل أنه راض عنه، ويشعر به أنه غاضب عليه. فالأزهري الذي يعمل ليله ونهاره ويقوم بواجبه خير قيام، كالأزهري النائم الغافل الذي يعمل لإرضاء الرسميات وحفظ المظاهر فقط، بل ربما كان للثاني من سنه أو من وسائله الخاصة ما يدفعه إلى الأمام دفعاً يسبق به العاملين. وقد كان من نتائج ذلك أن خيم الكسل في كثير من النواحي وقتل النشاط، وفترت حياة الأزهر العملية فتوراً صار مضرب الأمثال!
٢ - أحوال الطلاب
عاد الأستاذ الأكبر إلى منصبه في ظروف يعرفها الذيِن يتابعون حركة الأزهر؛ وقد أوحت هذه الظروف إلى طلاب الأزهر والمعاهد الدينية أن لهم يداً في عودة الأستاذ الأكبر إلى منصبه، لأنهم نادوا به، وأضربوا من أجله، وشردوا في سبيل ذلك وأوذوا، فهم إذن جديرون بأن يصيبوا حظهم من المكافأة، وجديرون بأن تغمض العين عنهم إذ يتخففون من وطأة النظام ويحاولون الإفلات من هيمنة الرؤساء والأساتذة؛ وقد سارت سياسة الأزهر بالنسبة إليهم فعلاً في طريق من شأنها أن تشجعهم على هذا الفهم وتؤكدهُ لهم، فقد ألغوا أن يطلبوا فيجابوا إلى ما يطلبون، وأن يذنبوا فيغفر لهم ما يذنبون، وأن يعاقبوا ثمَ تقبل فيهم شفاعةُ الشافعينَ، واستباحوا أن يذهبوا إلى الإدارة العامة في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ متخطينَ