رؤسائهم المباشرينَ، فتراهم يقتحمونَ مكاتبها، ويشغلونَ موظفيها، ويدخلونَ عليهم من أقطارها، ويتنادون في أبهائها صاخبين لهم ضجيجٌ وعجيجٌ!
ومن الأنصاف أن نذكر أن هذه الحالة ليست خاصة بالأزهر وحده، وإنما هيَ حالة تصطلي بنيرانها المدارس المصرية جميعاً. فكلنا يعرف كيفَ تدخلت السياسة الحزبيةَ في نظمِ التربيةِ والتعليمِ والامتحانات تدخلاً يراد به التقرب إلى الطلاب وكسب تأييدهم، وكيفَ انبثت الفوضى في كلِ شيءٍ، وطغت على كلِ شيءٍ، فليسَ الأزهر وحدهُ هوِ المسؤول عن هذا العامل، ولا ينبغي أن يحمل عبؤه عليه من دون معاهد التعليم جميعاً، ولكننا فيما يظهر قد سبقنا غيرنا في هذهِ الناحيةِ وبرزنا فيها تبريزاً حتى أصبنا منها بطعنات في الصميمِ أساءت إلى النظامِ، والإدارةِ والعلمِ والكتبِ والمقرراتِ والامتحانات، وإلى المستوى العلمي والخلقي إساءة فظيعة، تحتاجُ إلى العمل السريع، وإلى الحزم الصادق، والعزائم المتكاتفة، إن كان لنا في بقاء الأزهر حاجةً!
٣ - السياسة العامة
أرجو أن يسمح لي فضيلة الأستاذ الأكبر بأن أتوجه إليه في هذهِ الناحيةِ بشيءٍ منَ الصراحةِ، فأن فضيلتهُ يريدُ أن يسوسَ الأزهر سياسة قوامها إرضاء العناصر المختلفةِ فيهِ، وإرضاء العناصر المختلفة في الأزهر أمرٌ بعيد المنال أن لم يكن مستحيلاً، فإن المرء لا يجد بيئةً منَ البيئاتِ قد تفاوتت في التفكيرِ حظاً ولوناً وطابعاً كالبيئةِ الأزهريةِ، والمصلح لا بد أن يكون جريئاً في إصلاحه، صريحاً في مداواةِ العللِ والأمراض، وكلنا يعرف أن في الأزهر قوماً مؤمنينَ بالإصلاحِ، وقوماً به كافرين، وعنهُ معوقينَ، كما أن فيه قوماً لم يتعودوا أن يأمنوا بشيءٍ أو يكفروا بشيء، فإذا كانَ من سياسة المصلح أن يستعين بخصومِ الإصلاحِ، أو بالذينَ لا يدركونَ أغراضهُ، ولا ينبعثونَ بطبيعةِ نفوسهم في طريقه، أو لا تمكنهم أحوالهم وسنهم وتربيتهم من تطبيقهِ، فإن الإصلاح من غير شكٍ فاشل، وأن الجهود التي تبذل في سبيله، والأموال التي تنفق عليه، ضائعة!
لا ينبغي أن تسيطر ظروف السن والأقدمية والأمر الواقع على كلِ شيء في الأزهر، فيظل التعيين في المناصبِ الكبرى وقفاً على الذين كلوا من شدةِ الإعياءِ، عن حملِ الأعباءِ
لا ينبغي أن يغفل عند تعيينِ جماعةِ كبارِ العلماء ما بقى مغفلاً حتى الآن من رعايةِ النشاطِ