الأم حين أحست دبيب المنية قد وضعت معطفها على قدميهما، وثوبها على جسميهما، حتى يحسا الدفء في الساعة التي تسري في جثمانها برودة الموت!
- ٧ -
كان الطفلان ينامان ملء الجفون في مهدهما النابي القلق؛ وكان المطر يهدر خارج الكوخ هدير السيل، والسقف العتيق يُساقط الحين بعد الحين على جبين الميتة قطرة، فتسيل على خدها الشاحب فتكون عَبرة؛ وكان الموج يصلصل كناقوس الخطر، والميتة تتسمع في الظلام والسكون في هيئة الأبله؛ لأن الجسم متى فارقته الروح بدت عليه حال الباحث عنها. وكأنك تسمع هذا الحوار بين الفم الذابل والعين الحزينة:
تقول العين للفم: ماذا صنعت بزفراتك؟
ويقول الفم للعين: وماذا صنعتِ أنتِ بنظراتك؟
وا أسفاه! عيشوا أيها الناس وأحبوا، وارقصوا، واضحكوا، واقطفوا الزهور، وارشفوا الغور، واحرقوا القلوب، وأفرغوا الكؤوس، فإن الله قد جعل مآل كل لذة إلى القبر، كما جعل مآل كل نهر إلى البحر!
- ٨ -
ماذا صنعت جاني عند الأرملة الميتة؟ ماذا تحمل تحت ردائها الضافي وهي تمشي؟ لماذا يخفق قلبها وتسرع خطاها؟ لماذا تعدو في الطريق ولا تجرؤ أن تلتفت؟ أي شيء في الظلام خفية على السرير؟ ليت شعري ماذا سرقت جاني؟
- ٩ -
عادت جاني بما تحمل إلى بيتها، ثم وضعت كرسياً بجانب السرير وجلست عليه ساهمة الوجه كأنما تعاني وخز الضمير. ثم ضاق ذرعها بما تجد فألقت جبينها على حافة السرير وأخذت تغمغم بهذه الكلمات المتقطعة:
وا حسرتاه عليك يا زوجي المسكين! رباه! ماذا عسى أن يقول؟ ألا يكفيه ما يحمل من الهم؟ وهل فضل كدحه المرهق عن قوت أطفاله الصغار حتى أثقل كاهله بهذا العبء الجديد؟ أهو هذا؟ كلا! لا شيء. لئن ضربني زوجي لأقولن له: حسناً فعلت