هذا الدهاء الذي اتصف به الحسن كان من اكبر العوامل التي ساعدته على تسليم الرياسة الكبرى للإسماعيلية، والى جانب هذا الدهاء انصراف الخلفاء من بني العباس في وقته عن الشؤون العامة وعجزهم عن تحصين إمامتهم، وضبط خلافتهم لاسترداد الملك للعجم من الديلم والسلاجقة فباتوا لا يقدرون على كف الغوائل عنهم، والإسماعيليةينتشرون في أنحاء الشرق القاصية.
وبعد استيلاء الحسن على قلعة آلموت في ولاية جيلان بفارس وهي أقوى القلاع زادها قوة واحكم تحصينها وجعلها تحت دولةالإسماعلية، فعظم أمره بين اتباعه ولقبوه بالشيخ وهو اكبر ألقابه، وقد كانت له ألقاب أخرى منها الرئيس والسيد.
وبعدان تولى الرياسة كثر اتباعه وانقادوا له الانقياد الأعمى فأتخذ منهم أداة للظلم والطغيان فارهب بهم الخلق والملوك والسلاطين وحاربهم هزمهم، وقد قام بترتيب الطائفة إلى ثلاث مراتب: الدعاة وهم الداعون إلى مذهب الطائفة، والرفاق وهم الذين اعتنقوا المذهب وخضعوا لسلطة الرئيس، والفدائية وهم عدة الرئيس خاصة يسيرهم كما يشاء، وكانوا يربون في بيوت الرؤساء منذ نعومة أظفارهم يلقنون طاعة الرئيس والتضحية بالنفس في سبيل إنفاذ أوامره، ويفهمون أن الواحد منهم قد علقت سلامته بفداء روحه ويصور لهم العذاب في ابشع صورة أن خالفوا للرئيس أمرا، والنعيم في أشهى مظاهره أن هم تفانوا في خدمته. وهنا تظهر صولة القوم وخداعهم فقد كانوا كي يحققوا الفدائية ما يعدونهم به من النعيم مقيم ينشئون الحدائق الغناء والبساتين الفيحاء يحيطونها بالأسوار العالية ويضعون فيها من الصناعات ما حسن تنسيقه مما يبهر الأنظار ويخلب الألباب ويجعلون فيها كل أنواع الفاكهة والأزهار والورود والرياحين تتدفق فيها الشلالات الجميلة وسط المزروعات الخضراء والمروج الفيحاء، وينبعث من أرضها ماء الينابيع والنافورات، ويخصصون أمكنة من تلك الحدائق تكون مجالس فاخرة وأروقة مزخرفة بالخزف والصيني والفرش، والبسط والطنافس والرياش ويودعون فيها الأواني الفضية والذهبية والبلورية المموهة بالذهب الخالص يزين ذلك كله اجمل العذارى، واظرف الولدان في ثياب ارق من نسيج العنكبوت يروحون في تلك الحدائق ويغدون كالأطيار الجميلة تنتقل