من دوحة إلى دوحة، يغرون الناظرين بالتيه والدلال، وبالجملة فقد جعلوا من تلك الحدائق فتنة لاتباعهم، فذا فاز أحد الرفاق على الآخر في إظهار منتهى الطاعة للرئيس والخضوع لأوامره خضوعا تاما وكتم السر والاحتفاظ بالعهود، أعطوه من الحشيش ما يذهب معه لبه، ويفقده صوابه. ثم أرسلوه إلى تلك الحدائق الساحرة حيث يفيق بين مظاهر الجمال ويغمر بأنواع الملذات ويتركونه ساعة يعطونه بعد مضيها الحشيش مرة أخرى حتى إذا غاب عن صوابه أعادوه إلى مكانه الأول.
وهناك يمنونه بالعودة إلى تلك الجنان أن هو زاد في طاعته، وبلغ في التفاني والولاء أقصى ما يستطيع.
وبعد أن تفشت هذه التعاليم أباح الرؤساء لتابعيهم كل أنواع الملذات وأطلقوا لشهواتهم العنان، وأباحوا لهم زواج الأخوات وكل من يحرم الدين الزواج منهن، وعكفوا على تعاطي الحشيش وأدمنوا في ذلك وأسرفوا، حتى انقلبت تلك الطائفة التي تدعى أن لها تعاليم دينية راقية وأنها تدعو إلى الإيمان الصحيح إلى فئة طاغية مجرمة تحلل المحرمات وتحض على المنكرات. وترى في القتل عملامشروعا يثاب عليه فاعله.
ولما قامت الحروب الصليبية كان للحشاشين فيها يد سوداء، وقاموا في أثنائها بأفظع الأعمال الوحشية، فأطلق الفرنجة اسم وهو تحرف لكلمة حشاشين وجعلوه لكل قاتل مجرم. ويروي المؤرخون لأولئك الحشاشين من فظائع الأعمال ما يعطينا عنهم صورة بشعة رسمت بلون الدماء الحمراء، ووضعت في إطار من عظام القتلى وأشلائهم، فيقول المسعودي وأبو الفداء انه بلغ من جرأة الحشاشين انهم كانوا يخطفون الناس من الشوارع والحارات بأغرب الطرق، وكان الرجل يتبع خاطفه في سكون وخشوع، والويل له أن أبدى مقاومة أو تحرك لسانه طلبا للنجدة، فانه أن فعل استقر خنجر الفداوي في قلبه، وكان إذا غاب أحدهم ساعة عن أهله تحققوا انه قد خطف وقتلفيقيمون عليه الأحزان، وصار الناس يلبسون الدروع تحت الثياب مخافة الفدائية، وكان من دهائهم تعليم اتباعهم المهن كالطباخة والحلاقة والخياطة ودسهم في بيوت الأمراء يقومون فيها بالخدمة الجاسوسية. يقال أن أحد السلاطين أرسل يوما إلى شيخ الجبل يدعوه إلى الطاعة والكف عن إيذاء الناس. فقال الشيخ للرسول: أمخلصون انتم لسلطانكم؟ فأجابه كلنا نفتديه. فقال له قل