بالغ به الأعماق، فقال إنه محتاج الى إعطائنا بيانات وتعليقات، في حين أن هذه البيانات والتعليقات إنما أفادت في تهيئتنا لاستقبال نتاج هذه الآباد، وأطلقت حولنا من بخور القدم ما خالط أنفاسنا، فعشنا في الجو الفرعوني ونحن نطالع نتاج تلك العصور؛ أما الترجمة - ترجمة النصوص أو الأصول - فقد جرى في هيكلها كثير من الدم القديم، ورأينا بعين المخيلة لحمها مقروناً بهذا الدم الغزير، وشعرنا بالحياة تدب في الهيكل، وبالمنقول أدباً حياً نقله الفقيد فأحسن نقله. وهذه النتيجة التي تكاد تكون لوناً من الإعجاز لم تكن بسبب البيانات والتعليقات وحدها، بل كانت وحياً من فهم الفقيد عقلية تلك العصور، وإدراكه الكثير من عقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم
نماذج وأمثلة وأسانيد
ولكي ترسخ هذه الحقائق في أذهان القراء الذين يبحثون وراء الأسانيد لكل حقيقة يتصدون لها، أرى لزاماً علي أن أقدم إليهم أمثلة للبيانات والتعليقات، ونماذج من القطع الأدبية التي ترجمها الفقيد في مجلده الثاني الذي أرقب صدوره في القريب بكثير من التشوق والمصابرة
أراد الفقيد أن يترجم بعض القصائد والأغاني، فعرضت له كلمة (أخت) وكلمة (أخ)، فرأى أن يقدم بياناً لهذه التسمية، فلما قدم البيان وجده منطوياً على ما يتصل بالفكرة الخاطئة التي أرساها المؤرخون في الأذهان، فنمت واستقرت بفعل التكرار وعلى الأزمان، فكرة أن الأخت كانت تتزوج من أخيها، فرأى الفقيد أن يكون له تعليق على البيان يجلو غامض الفكرة الخاطئة؛ ومن هنا جاءت عنايته بالبيانات والتعليقات، وجاء دور التعليق على الفكرة الشائعة؛ فقال رحمه الله:
(وهنا استطرد قليلاً فأقول: إن إباحة زواج الأخت بأخيها كانت معروفة في الأسر المالكة لسببين: أولهما الحرص على الدم الشمسي، أي الدم الملكي، والثاني: أن حق البنت المولودة من أب هو ملك وأم هي ملكة في وراثة العرش، كان أقوى من حق الابن المولود من أب هو ملك وأم ليست ملكة، بحيث كانت الأخت في حالة كهذه هي التي تعتبر وريثة شرعية للعرش دون أخيها، ولهذا كان يقترن بها ليكون حقه في العرش شرعياً
(كان هذا هو المعروف في الأسر المالكة، أما في غيرها من عامة الشعب فلم تكن الحاجة