ولم يكن يهمني أن يُزيف نسب أحمد أمين إلى المنوفية، ولكن مقاله عن (غاية العالم) أقنعني بأنه موهوب، ولا بأس بإضافته إلى المنوفية، وإن كان في مقاله عبارات سمعت مثلها في تمهيد الدكتور إبراهيم ناجي لبحثه عن (نفسية المرأة) مع فارق بسيط: هو أن الدكتور ناجي أشار إلى المصدر الذي نقل عنه وأن الأستاذ أحمد أمين لم ير موجباً لذلك، فدلنا من جديد على حسن هضمه لما يقرأ من آراء الباحثين، بحيث ينسى أنه ينقل عن هذا المفكر أو ذاك
بين الرسالة والثقافة
تلطف الأستاذ محمد فريد أبو حديد فنقل تحية أدباء السودان إلى مبارك والزيات، وحدثنا أن الخطباء الذين أثنوا على جهوده الأدبية كانوا يقولون إنه من كتًاب (الرسالة) وأن ذلك وقع من نفسه موقع الارتياح، فقد سره أن تكون (الرسالة) على ألسنة جميع الناس في ذلك القطر الشقيق
وأقول إن مجلة الثقافة أخلفت الظن الجميل بعض الإخلاف، فقد كنا نرجو أن تكون أقوى من مجلة الرسالة، وأن تفتح باباً من المنافسة تنتعش به الحياة الأدبية، ويتسع به المجال أمام الشادين من أبناء الجيل الجديد
والحق أن طغيان (الرسالة) على (الثقافة) يسر المتطلعين إلى تقدم العلوم والآداب والفنون، لأنه يشهد بأن القراء في البلاد العربية قد وصلوا إلى غاية من النضج يصعب معها الأمل في إرضائهم بالجهد القليل، و (الرسالة) تبذل جهداً لا تبذله (الثقافة) وإن استندت (الثقافة) إلى علماء من (كل صنف) كما نوه بذلك الأستاذ أحمد أمين
أنا أرجو أن تهتم (الثقافة) اهتماماً جدياً بتخيّر موضوعاتها، وأن تعنَى عناية خاصة بتخير الشعر الذي تنشره؛ فقد يتوهم الناس في بعض الأقطار العربية أن الشعر في مصر لم تبق له موازين يُعرف بها الراجح من المرجوح
والحرص على منفعة (الثقافة) هو الذي أباح أن نوجه إليها هذا النقد الرفيق، مع الاعتراف بما تقدم من الوَقود الجزل لنار الأفكار والعقول
متى يجيء اليوم الذي نرى فيه خمسين مجلة من أمثال (الرسالة) و (الثقافة) بالخصائص التي عُرفت عن هاتين المجلتين، في التسامي إلى أدب القول وإعزاز البيان؟