فيا بني آدم، إياكم ثم إياكم من التخلق بأخلاق الكلاب!
صديقي فلان
أما صديقي فلان فهو غاية في الأدب والذوق: يدخل بيتك فيجلس حيث تحب أن يجلس، ولا يمتد بصره إلى اختبار ما في البيت من أثاث ورياش، ولا يسأل أبداً عن ربة البيت إلا أن يتلطف زوجها فيدعوها للتسليم عليه، مع أنها قد تكون من بنات الأعمام أو الأخوال؛ وإذا قُدَّم إليه طعام أقبل عليه بشهية، كأنه أطيب ما رأى من ألوان الطعام، ولو كان ممعوداً لا يأكل إلا بمقدار وفي وقت محدود، وإذا حضر الأطفال لتحيته تلقّاهم بما تحبّون، ولا يسألهم عن دروسهم إلا بأسلوب يمكّنهم دائماً من الجواب، ليأنسوا به وليُدخل على قلوبهم قبساً من نور التشجيع. وإذا عُرِض عليه خلاف سوَّاه بلطف ورفق، لتكون زيارته مرحلة من مراحل التاريخ السعيد. وإذا دخلت عليه صبية دعا لها بالخير وتحدّث عن صاحبتها بأدب ولطف. وإذا رأى أن الذرية أكثرها بنات كان من واجبه أن يصرّح بأن لله حكمة في ذلك، فمن الخير للإنسانية أن تكثر البنات في المغرس الشريف. وإذا رأى عجوزاً واساه وأعلن أن الرجل لا يصل إلى الشيخوخة إلا وهو بذرة قوية لا تهددها عواصف المشيب. وإذا رأى مريضاً بشّره بقرب العافية، وأعلن أن مرضه من العوارض الوقتية، وأنه يعرف مئات كانوا في مثل حاله ثم صاروا في مثل عافية الفرس الجموح. وإذا اعتذر أهل البيت عن مظاهر البساطة في تكوين الأثاث كان عليه أن يقول إن هذا من أدب المعاش، وإن الإفراط في الزخرف ليس من أدب العقلاء. وإذا رأى البيت على جانب من الزينة والبهجة والنضرة كان عليه أن يعلن إعجابه بما ترى عيناه، وأن يصرح بأن أهل البيت لم يريدوا إلا إعلان الحمد والثناء على المنعم الوهاب
فما رأيكم في أخلاق هذا الصديق؟؟
لقد عرفت أنه ما دخل بيتاً ورأى فيه شيئاً غير جميل، ولا صحب صديقاً وسأل عن أخباره المطوية، ولا سمع في صديق كلمة سوء، ولا استباح التعقب لمسالك المعارف والأصحاب، ولا كان من همه أن يتخذ الأصدقاء دريئة يدفع بها عاديات الكوارث والخطوب
صديقي هذا يرى للصداقة قدسية منزهة عن شوائب المنافع، وإن كان لا يضيع فرصة