أقول لركب من خراسان قافل: ... أمات خوارزميكم؟ قيل لي نعم
فقلت اكتبوا بالجص من فوق قبره ... ألا لعن الرحمن من كفر النعم
ويقول أبو سعيد الخوارزمي:
أبو بكر له أدب وفضل ... ولكن لا يدوم على الوفاء
مودته إذا دامت لخل ... فمن وقت الصباح إلى المساء
ثم لم تكن المناظرة في صميم الأدب من الشعر والترسل، بل كانت في البديهة والارتجال والحفظ. قال الهمذاني وهو يتحدى خصمه:(ومثال أن أقول لك اكتب كتابا يقرأ منه جوابه هل يمكنك أن تكتب؟ أو أقول لك اكتب كتاباً على المعنى الذي اقترح لك، وانظم شعراً في المعنى الذي اقترح، وافرغ منهما فراغا واحداً. هل كنت تمد له ساعداً؟ وأقول لك اكتب كتابا في المعنى الذي أقول وأنص عليه، وانشد من القصائد ما أريده من غير تثاقل ولا تغافل، حتى إذا كتبت ذلك قرء من آخره إلى أوله، وانتظمت معانيه إذا قرء من أسفله هل كنت تفوق لهذه الغرض سهما أو تجيل قدحا أو تصيب نجحا، أو قلت لك اكتب كتابا إذا قرء من أوله إلى أخره كان كتابا، فأن عكست سطوره مخالفة كان جوابا الخ، وقد أجاب الخوارزمي على هذا كله بقوله: (هذه الأبواب شعبذة) وهي أن لم تكن شعبذة فهي ليست من الأدب، وأن دلت على توقد الذكاء وسرعة البديهة.
ولست أقول أن البديع ليس أعلى من الخوارزمي في الأدب مقاما. ولكن أقول ما غلب بديع الزمان أبا بكر الخوارزمي هذه الغلبة التي تصورها رسائل الهمذاني ويرويها الأدباء.
اغتيط بديع الزمان بنيسابور ولقي من سراتها حفاوة وإكراما يقول في رسالة إلى أبيه عن صديق كان قد وعده اللحاق به:(وكان سألني أن أرود له منزلا وماؤه روى، ومرعاه غذى وأكاتبه لينهض إليه راحلته. فهاك نيسابور ضالته التي نشدتها، وقد وجدتها، وخراسان منيته التي طلبتها وقد أصبتها. وهذه الدولة بغيته التي أردتها، فقد وردتها، فان صدقني رائداً، فليأتني قاصدا. . . وأما أنا وأخباري بهذه الناحية فمتقلب في ثوب العافية، موقر بهذه الحضرة مرموق بعين القبول)
وقد كتب كثيرا من رسائله إلى جماعة من رؤساء نيسابور وهي تدل على ما كان بينه وبينهم من مودة. وفي نيسابور لقي بني ميكال ومدحهم. وفي رسائله واحدة إلى أبي جعفر