للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأضرب المثل بقول الأستاذ الشيخ محمد دراز وهو يهدد في مجلس النواب:

(أصبحت هذه البلاد لا هي بالبلاد الدينية، ولا هي بالبلاد اللادينية، ولا هي بالبلد الشرقي، ولا هي بالبلد الغربي، وذلك ظاهر في كل مظاهرها، ليس في الزي فقط، ولكن في الثقافة والخلق وكل ما يتصل بحياتنا الخلقية والاجتماعية)

وهذا النائب هو أيضاً مفتش الوعظ والإرشاد بالديار المصرية، فان كان صادقاً فالأمة في بلاء، وألا فهو نفسه بلاء، والله الحفيظ!

كان الظن برجل مستنير مثل الشيخ محمد عبد اللطيف دراز أن يدرك أنه لا يجوز الجهر بمثل هذا الكلام في مجلس النواب، لأنه طعن صريح في الأمة المصرية، ولأنه كلام أجوف لا طائل تحته ولا غناء

ولكن ما ذنبه وهو يتوهم أن رجال الدين يجب عليهم أن يصرخوا في كل وقت، وأن يشهدوا بأن أبناء اليوم ليسوا إلا شر خلف لخير سلف، وأن سعادة الدارين لن تكون إلا من نصيب من يعيشون بقلوب لا تحس روح المدنية في القرن العشرين؟

هذا الواعظ مسئول عن تغيير منهجه في الوعظ، وألا كانت عظاته أقاويل مشئومة لا تُدخل البشاشة الدينية إلى صدور المؤمنين

وقد استراح الأستاذ علي الغاياتي إلى صرخات الأستاذ محمد دراز فعلق عليها في مجلته منبر (الشرق) بعبارات هي غاية في الإيذاء، فقد قرر أن أكثرنا مسلمون جغرافيا فقط، وأن الواقع لا يقر لكثير منا بوطنية ولا بمصرية!

وماضي الأستاذ علي الغاياتي يصدنا صداً عن محاسبته على هذا الجور البغيض، فلم يبق إلا أن نرجوه أن يترفق في الحكم على أمته وأن ينظر إليها بمنظار لا يحجب عنه ما فيها من نضارة وإشراق.

وإن أراد المنطق فليسمع:

لقد أراد السخرية من زعامة مصر الأدبية والدينية، وكانت حجته إننا عجزنا عن توحيد كلمتنا والذود عن حمانا

أما توحيد الكلمة فهو مطلب براق ولكن انعدامه لا يؤذينا في شيء، لأن الخلاف من أقوى مظاهر الحيوية في الشعوب، ونحن نختلف أقل مما يجب، ويا ويلنا إذا لم نختلف!

<<  <  ج:
ص:  >  >>