ومن الآثار التي عثر عليها الأثريون والتي ترجع إلى سنة ١٣٧م مرسوم أصدره مجلس شيوخ المدينة لحسم الفتن التي قامت بين النجار ومأموري الخزانة من أجل المكوس وارتفاعها إذ كانت البضائع الصادرة أو الواردة تجبي عليها ضريبة ثابتة ثم ضريبة أخرى تختلف باختلاف قيمة البضائع ومقدارها، وقد عرفنا من هذه النقوش أيضاً نوع التجارة التي كانت تمر بمدينة تدمر وهي بالإضافة للأنواع السابقة عبارة عن دقيق وزيوت عطرية وغلال وأثمار يابسة وملح من ممالح تدمر الكثيرة في ذلك العهد مما جعل لأهلها شهرة خاصة في قيادة القوافل التجارية عبر الصحراء لحسن خبرتهم بالطرق ولاستعدادهم لمقاومة أعمال قطاع الطرق. فلا عجب بعد ذلك أن شابهت تدمر البندقية فيالعصور الوسطى من حيث المركز التجاري. وكانت تدمر تحتفظ لنفسها بنصيب من دخلها السنوي بعد أن تؤدي إلى روما الجزية المفروضة عليها.
هذا كل ما يمكن أن يقال باختصار عن تجارة تدمر في أزهي عصورها. وقد تكلم في هذه الناحية بتوسع كل من الأستاذ (تولدكة)، (ساخَوْ)، (دي قوكويه). وعرفنا من النقوس السابقة الذكر أنه كان لتدمر مجلس وطني يسن القوانين ويتألف من رئيس وكانت وعدد من الأعضاء. وكانت السلطة التنفيذية في عهده شيخين وديوان يتكون من عشرة حكام. أما السلطة القضائية فكانت من اختصاص بعض الوكلاء.
أما لغتها الرسمية اللغة اليونانية كما هي العادة في جميع الممالك الرومانية الشرقيى؛ ولكن أهلها كانت لهم لهجة خاصة هي الهجة الآرامية وهي قريبة من السريانية. ويقال إن المسيح عليه السلام قد تكلم بها، ولكن هذا لم يثبت بعد. على أن الخط التدميري إلى الآن لا يعرف المؤرخون صورته حق المعرفة في القرون السابقة للمسيحية، لأن جميع الكتابات والرسوم التر عثر عليها حتى الآن ينحصر تاريخها فيما بين القرنين الأول والرابع المسيحيين، وأقدم هذه الكتابات لا تتعدى السنة التاسعة قبل المسيح. ويؤكد المؤرخون أن تدمر قد اقتبست صورة حروفها من الفينيقيين.
اختلف المؤرخون في تحديد السنة التي خضعت فيها تدمر لحكم الرومان ولكنهم أجمعوا على أنها لم تتبع روما قبل سنة ٣٦م، وعلى الرغم من خضوعها لروما كانت تتمتع ببعض الحقوق المدنية، ومنحت امتيازاً خاصاً يخولها السيادة على جميع البلاد والمجاورة لها. ثم