وكانت لهجتها شديدة الدلالة على الاستغراب، ولكن الأميرة كررت أنها تريد محادثته، فذهبت إليه صاحبة المنزل وقالت بغير ما اعتادته من لهجة في مخاطبته:(إن الأميرة تريد أن تراه؛ فقام متباطئاً ولم يبد عليه شيء من الاستغراب، ولا أظهر شيئاً من الاهتمام وقال: (اسبقيني وسأتبعك).
أغلق الباب وكانت الأميرة في حالة غير عادية: فعيناها مغرورقتان بالدموع وقالت: (لقد ظفرت بك في النهاية ولن تستطيع أن تفلت مني. تعال الآن).
فتناول كفها ورفع يدها إلى شفته؛ وتغيرت هيئته ففارقه مظهر الخشونة المعتاد، وأصبحت نظراته وصوته كصوت الطفل ونظراته وقال:(ياعزيزتي جبربيل، هل لا تزالين مؤمنة؟ ألم تنفقدي ثقتك؟). فقالت:(كلا. كلا. ولا لحظة واحدة).
قال:(الحمد لله).
ثم انقضت لحظات في صمت، وبعد ذلك قالت:(ألا تزال باسمك المستعار؟) فقال: ليس لي اسم سواه.
قالت: ولكنك في انكلترا ولم تتركها إلى غيرها. فقال بلهجته التهكمية القديمة: ليس أغرب من ذلك.
قالت:(لقد تغير كل شيء فلم أتبين أين كنت)؛ فمشى نحو النافذة وقال:(لقد كان إطلاق الرصاصة من هذا المكان وكان أكثر من عشرة أشخاص مستعدين للشهادة بأنه لم يكن يقيم هنا أحد غيري).
قالت الأميرة: يظهر يا جيرفاس أنك هنا لغرض خاص، فقال: وأنت؟.
قالت: لغرض أيضاً. . . فقل لي: هل تسلمت خطاباً؟.
فقال: نعم، وهو السبب في مجيئ من النمسا. . . انظر وعرضت عليه خطاباً، فرمقه بنظرة ثم قال: هو كخطابي تماماً، ويعلم الله أن هذا في منتهى الغرابة. . . ولكن الذين على وشك الموت كثيراً ما يقولون الحقيقة!.
وكان في هذه الأثناء يفحص الحائط وفي يده سكين يضرب بها في مكان بعد مكان ويتسع الصوت. . . وكانت الأميرة تراقب حركته وهي واقفة وراء ظهره، وقال: ليس هنا أي