وتبختري جذلاً فقد جاوزت من ... جمع المفاخر والمكارم أجمعا
قمر البطاح خليفة الحرمين مو ... لانا أبا شرف الشريف الأروعا
إلى آخر ما قال
ومن الظلم ألا أشير إشارة إجمالية إلى أن ابن شهاب في هذا العهد لا يزال يتوثب للصعود، ولكنه مكبل بقيود الصنعة الزائفة:
حي الحيا حياً به حلت سعا ... ومنازلاً خطرت بهن وأربعا
أو سود الذوائب. . . الذي مصدره التقليد المحض أو الإعجاب بما قال أبو الطيب:
من الجآذر في زي الأعاريب ... حمر الحلي والمطايا والجلابيب
والفتى الناهض لا بد أن يتحرر يوماً ما وأن يصبح حراً طليقاً ليتغنى بالشعر كما توخي به العاطفة، لا كما تريده الصناعة الزائفة. وفي الفصل الذي يتضمن الكلام على الأدوار التي اجتازت بها شاعرية شيخ حضرموت سترى ذلك.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد ذكر عن أهل الجيل الماضي بأنهم كانوا لا يرون الشعر إلا مغالبة لسانية، ومساجلة كلامية، ولباقة منطق، وسرعة جواب وارتجال.
وكذلك قدر لأبن شهاب أن يدخل في شراك هذه الأحبولة الضيقة، فإن الشريف عبد الله ارتاب في أن تكون القصيدة لشاعر حضرموت، وظن أنها مقولة على لسانه؛ لا سيما وقد شايعه على هذا الرأي أحد ندمائه، إذ أسر إليه في المجلس بذلك فاقترح الشريف على شاعرنا أن يجيز البيت الآتي ليختبر بذلك قريحته:
صفي الوقت لا أبناء الزنا ... ولمن يحسن ضرباً وغنى
ولا مناص لابن شهاب من أن يقيم الدليل على شاعريته فيقول:
وبنو الدهر كما قد مال ما ... لوا إلى من كان منهم ذا غنى
قل أن يوجد منهم منصف ... أنا قد جبت القرى والمدنا
وبلوت الناس طراً فإذا ... أكثر الناس أرقاء الدنا
جانبوا الصدق الذي من قاله ... بان إبريزاً إذا ما أمتحنا
عزفت أنفسهم عن كل من ... كان من أهل المثاني والثنا