فضوله للاستقراء عن خصائص هذه اللعب والوقوف على ماهيتها، لأن هذا الاستقراء هو في الواقع من أهم العوامل التي لها الأثر الأكبر في إيقاظ القوى الفكرية فيه، ورفع مستواه الأدبي والعقلي والخلقي؛ بل يجب على المربي ألا يهمل رغبات الطفل - التي هي خلجات نفسية وقتية - وألا يتجاهل فضوله الذي يرتبط إلى حد ما بالبيئة والوسط والعمر. فالإهمال يورثه قلة المعرفة، والتجاهل يخمد فيه الدافع النفسي للعمل الذي من شأنه أن يرسم لنا خطوط نفسيته ويبين ما يجول في خاطره
هذا إلى أن التربية الجسمية والخلقية والعقلية تتصل اتصالاً مباشراً بالألعاب التي يتسلى بها الأطفال؛ وقد تختلف هذه الألعاب باختلاف حداثتهم، وقد تتباين بتباين عواملها، إلا أن الهدف الأسمى والغاية المثلى منها هي تربية الوليد تربية سامية صحيحة.
فاللعب يرمي إلى إنماء الجسم وتقوية البدن، وإلى غرس الفضيلة في النفس، وتزويد العقل بشتى المعارف والعلوم، فصفاء القلب، وجمال الأدب، وطيب الخلق، وإظهار التعاطف، وإبراز العادات الحسنة، وتقوية الميول الاجتماعية، وجميل المعاملة، وحسن المعاشرة، وحب الإنسانية، إنما تكتسب عن طريق الألعاب
ولما كان الوليد يميل بطبيعته إلى العمل ويندفع بغريزته إليه - واللعب أول مظهر من مظاهر العمل - كان الهدف التربية الحديثة أن تصاغ أعمال التربية الأولى في صور الألاعيب، معدة لتصريف غرائز الطفل وتوجيه ميوله ورغائبه توجيهاًيعود عليه بالنفع في مستقبل حياته، فاللعب إذاً هو بمثابة وسيلة هامة لتكوين الطفل تكويناً أدبياً. فليست (الحركات والألاعيب التي يأتيها الطفل، يقصد إشباع الرغبات، وسد أطماع النفوس وحسب، ولكنها مختارة لغايات تهذيبية وأخلاقية وأدبية).
ولما كانت التربية تبتدئ عملها منذ الدقيقة الأولى التي يبصر الطفل فيها النور، والتي تتمشى جنباً إلى جنب مع الطفولة، وتستمر معه طوال حياته، وجب أن تعاون التربية الطبيعة على الوصول به إلى الغاية المقدرة له، ويتوقف نجاح نشأة الطفل على قوة بدء التربية. لذا كانت العناية بالتربية الأولى في دور الطفولة التي هي أهم أدوار الحياة، تفوق كل عناية، وهذا ما عاناه في قوله: إن التربية تبتدي منذ المهد
وماذا يراد بالتربية الأولى؟. . . أليست هي التي ترمي إلى (إنماء قوى الأطفال الجسمية،