ينظر إلى ابن مرسيليا نظرة إلى الألماني الأجنبي عنه أو الإنكليزي، وذلك لأن الطرق لم تكن معبدة ووسائل التنقل نادرة صعبة، فكان الناس لا يعرفون إلا من جاورهم من السكان، فلما ضمتهم الحروب الصليبية تحت لواء واحد تعارف أبناء الأمة الواحدة وتآلفوا. ثم أيقظت هذه الحروب بين النصارى فكرة الدفاع عن مبدأ مشترك مقدس وهذا ما كان يقوم في العصور الوسطى مقام المبادئ المشتركة التي تربط جيلنا المتحضر مثل نظرية الحرية المدنية والسياسية وتقرير المصير واحترام العهود والمواثيق
ومن نتائج الحروب الصليبية قيام فريق من الملوك الأوربيين بجمع الضرائب الثابتة من رعاياهم، فقد باشر بجمعها لويس السابع ملك فرنسا فتبعه هنري الثاني ملك إنكلترا، ثم جبيت ضريبة صلاح الدين في معظم العالم الغربي سنة ١١٨٨ ولم تقتصر الضرائب هذه على الأهلين بل تناولت أيضاً رجال الكنيسة وذلك بقرار استحصله البابا أينوسن الثالث في مجمع لاتيران الديني سنة ١٢١٥ على أن تنفق تلك الضرائب على الحروب الصليبية
وحينما جاء الفرنج ساحات الحرب في الشرق لم يفكروا في تنصير المسلمين بادئ بدء، فلما مضى عليهم نحو عصر استيقظوا من غفلتهم، وكأنهم أرادوا أن يتلافوا ما فاتهم بالتبشير بالدين المسيحي ودعوة الشرقيين إلى التنصر فقاموا قومة واحدة وعلى رأسهم البابا، وأخذوا يبعثون إلى ديار الشرق وإلى قبائل التتارية مبشرين انتشروا في جميع البلاد الواقعة بين عكا والإمارات اللاتينية الشامية من جهة، وسد الصين من جهة أخرى؛ وكان النصارى مع الباباوات يعلقون آمالاً كبيرة على تنصير التتار. فلما حكم هؤلاء تيمورلنك قضى على فكرة التبشير وحمل أبناء قومه على اعتناق الديانة الإسلامية
وقد نقل الفرنج من سوريا أموراً كثيرة إلى بلادهم. فالفرسان منهم أخذوا عن العرب القوس والطبل والبيرق والرمح. وقد كانت في مبدئها عربية أخذها الفرنج عن فرسان العرب الذين كانوا يغيرون على بلادهم خلال العصرين الثامن والتاسع. ويقول سديو المؤرخ الفرنسي:(إن خلال الفروسية الأندلسية وشمائلها الرقيقة كانت مستقى أخذت منه الفروسية النصرانية الكثير من خلالها ورسومها). ويقول فياردو: (إن الفروسية وكل نظمها التي عرفت في الأمم النصرانية كانت مزدهرة عند الأندلسيين أيام الناصر والحكم والحاجب المنصور، وكانت الأندلس في ذلك العصر كعبة يقصدها فرسان النصرانية من