للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهذا شعر نفيس. . . وقول العقاد إن سعداً كان غضير القلب حتى في ساعات النزع ليس خيال شاعر، وإنما هو حقيقة؛ فقد شهد الأطباء بأن قلب سعد كان ينبض عند النزع بمثل القوة التي كان ينبض بها وهو في أوقات الصحة والعافية، وإلى هذه الظاهرة الغريبة أشار الشاعر محمود عماد إذ يقول:

وأنهدَّ قلبٌ طالما اعتدَّت به ... مصرٌ ليوم كريهةٍ وعُرام

قلبٌ كقلب الكون يلبث نابضاً ... والموت بادٍ في الحشا والهام

ولا يتسع المقام للإفاضة في محاسن قصيدة العقاد، وما أشرنا إليه يبين جوهرها الثمين

قصيدة الجارم بك

لم تلق هذه القصيدة في حفلة التأبين، وإنما نشرها المقطم في اليوم التالي وقال أنها (للأستاذ الشيخ علي الجارم المفتش بوزارة المعارف) وهي تبتدئ بهذه الأبيات الجياد:

لا الدمعُ غاض ولا فؤادك سالي ... دخَل الحِمامُ عرينة الرئبالِ

وأصاب في الميدان فارس أمة ... رفعَ (الكنانة) بعد طول نضال

رشقتْه أحداثُ الخطوب فأقصدتْ ... حربُ الخطوب الدُّهم غير سِجال

للموت أسلحةٌ يطيحَ أمامَها ... حول الجريء وحيلة المحتال

ما كان سعدٌ آية في جِيله ... سعد المخّلد آية الأجيال

تَفنَى أحاديث الرجال ذكره ... سيظل في الدنيا حديث رجال

سارٍ كمصباح السماء يحثه ... كر الضحا وتعاقب الآصال

ومضى الجارم فتحدث عن الأيام التي عانتها مصر قبيل الدعوة إلى الاستقلال: فجعل السيف يلمع فوق كل رأس، وجعل الأرض ترجف والذعر يعصف بالقلوب، وأسرف فجعل الناس جميعاً في أهول من يوم الحساب:

وإذا بصوتٍ هز مصر زئيره ... غضبُ الليوث حمايةٌ الأشبال

صوت كصور الحشر جّمع أمة ... منحلة الأطرف والأوصال

فتطلعت عين وأصغت بعدها ... أذن وهمت ألسنٌ بسؤال

مَن ذلك الشعشاع طال كأنهُ ... صدر القناة وعاملُ العسال

ومَن الذي اخترق الصفوف كأنه ... قدَرُ الإله يسير غير مبال

<<  <  ج:
ص:  >  >>