المرتبطة بالفرع الذي يرغب دراسته. وإذا لم يكن يعرفها فينبغي أن يقرر بصراحة من أول الأمر: هل هو مستعد لأن يتعلمها أم لا؟ هل هو مستعد لأن يتعلم اللغة اليونانية القديمة أو لاتينية العصور الوسطى أو اللغة الروسية مثلاً؟ وهل هو مستعد لأن يتقن ما يتصل بهذه اللغات من العلوم المساعدة الضرورية مثل علم النقوش، وعلم قراءة الخطوط. . . فإذا لم يكن مستعداً لذلك فينبغي عليه أن يعدل عن المضي في بحث إحدى هذه النواحي التي تعوزه فيها الوسائل الضرورية، ويمكنه أن ينتقل إلى مجال بحث آخر يعرف أصوله وقواعده
والمبتدئ في البحث التاريخي طبقاً للطرق العلمية الحديثة، ينبغي أن يراعي بعض الأمور. فيجب أن يختار ناحية أو نقطة محددة لكي يستطيع أن يتفرغ لدراستها وإخراج جديد عنها؛ وتكون هذه النقطة جزءاً من موضوع عام لكي يتسع المجال أمام الباحث لمتابعة دراساته في المستقبل. فمثلاً لا يصح للباحث أن يتخذ تاريخ الدولة الأيوبية بأكمله موضوعاً للبحث، لأنه موضوع طويل. فالأيوبيون قد حكموا مصر من سنة ١١٦٩ إلى ١٢٥٠م. ودراسة هذه الفترة دراسة عميقة مع كشف حقائق عميقة مع كشف حقائق جديدة عنها لا يمكن تحقيقها في سنوات قلائل. وإذا أصر الباحث على القيام بهذه الدراسة، فإنه لن يأتي بأكثر من تلخيص ما هو موجود في المراجع المعروفة أما إذا خصص وقته وجهده في نفس هذه سنوات القلائل لبحث ناحية معينة بالذات، مثل تاريخ صلاح الدين أو تاريخ الملك العادل أو تاريخ التجارة في عهد الدولة الأيوبية، فإنه يستطيع أن يسبر غور الأرض المجهولة ويكشف عن حقائق تاريخية جديدة. وبديهي أن الوقت والجهد اللذين يخصصان لفترة قصيرة يأتيان بنتائج علمية أعمق مما لو خصص لفترة طويلة. ووضع المؤلف علمي دقيق عن عصر الدولة الأيوبية بأكمله لا يمكن أن يتم إلا بعد دراسة جزيئات هذا العصر وبعد كشف كل الحقائق التي يمكن الوصول إليها. وما يقال عن عصر الدولة الأيوبية ينطبق تماماً على أي عصر آخر. وكذلك ينبغي أن يلاحظ الباحث عند التفكير في اختيار موضوع البحث ميله واستعداده، سواء للناحية الحربية أو السياسية أو الاقتصادية أو الدينية أو الفنية. ولا داعي لأن يقسر الباحث نفسه على ولوج ميدان لا يميل إليه؛ وعلى العكس فإن طرق الميدان الذي يميل إليه يجعله أقدر على العمل وأقوى على كشف الحقائق. والمرحلة