الأخيرة التي ينبغي أن يمر خلالها الباحث قبل أن يختار نهائياً موضوع البحث من الناحية العلمية تتلخص فيما يلي:
هل الموضوع الذي فكر فيه يحتاج أي أن يبحث؟ ألم يكن قد بحث من قبل مطلقاً؟ أو هل بحث بطريقة غير كافية وهل المادة الأصلية الموجودة عنه لم تدرس ولم تنقد كما ينبغي؟ أو هل قد وجدت أو يمكن أن توجد مادة أصلية جديدة تبرر إعادة بحث الموضوع من جديد؟ فإذا توفرت بعض هذه الشروط فمعنى ذلك أن الموضوع يحتاج إلى الدرس والبحث. ولكن كيف يمكن للباحث أن يثبت توفر بعض هذه الشروط؟ الطريقة العاجلة هي أن يبادر باستشارة أحد الأخصائيين في ميدان البحث التاريخي المعين، سواء في البلد الذي يعيش فيه أو في أي بلد آخر بواسطة المراسلات. وإذا تعذر الوصول إلى ذلك الأخصائي فعلى الباحث أن يجيب على هذه الأسئلة بنفسه. فلكي يعرف الباحث المراجع العامة والخاصة التي ظهرت عن العصر المعين، وهل اعتمدت على كل الأصول المعروفة فإنه يلزمه الاسترشاد بفن الببليوغرافيا. والتأكد من أن الأصول التاريخية الموجودة قد نقدت واستخدمت بطريقة علمية صحيحة يدخل في باب نقد الأصول والمصادر؛ ومسألة وجود مادة أصلية جديدة عن الموضوع تعرف عن طريق البحث والعمل في دور الأرشيف مثلاً. وسوف نعرف أشياء عامة عن هذه النواحي في هذه المقالات. وإذا لم تتوفر بعض هذه الشرط السالفة فلا معنى مطلقاً للاستمرار في البحث بدون جدوى عن ذلك الموضوع. ولابد إذاً من العدول عنه إلى موضوع آخر يمكن الإتيان في بحثه بجديد
وما هي الأعمال العلمية والأبحاث التي ينبغي أن تعمل في مصر؟ نحن فقراء ومتأخرين جداً في ميدان البحث التاريخي بالمعنى العلمي الحديث. والغرب قد سبقن بمراحل هائلة جداً في كل أدواره مثل طبع الفهارس ووضع الببليوغرافيات المتعددة الأنواع، وجمع الأصول، ونشر بعضها في مجموعات ضخمة، ووضع المؤلفات التي لا حصر لها عن مختلف أنواع التاريخ في جميع عصوره عن تاريخ العالم كله، وعن تاريخ كل من الدول والشعوب على حدة، سواء في ذلك المراجع التي تتناول التاريخ العام، أو المراجع التي تبحث عصوراً معينة ونواحي خاصة في تاريخ كل من هذه الدول والشعوب. فأين نحن من كل هذا؟؟ صحيح أن بعض الباحثين من المصريين قد وضعوا أبحاثاً عن بعض مسائل