لن يصح انتسابك إلينا إلا يوم تؤمن بأن للقلم رسالة يطيب في سبيلها الاستشهاد. ونحن قد رحبنا بجميع الآلام في سبيل القلم البليغ. ولو رأيت كيف تقدم تلاميذنا وتخلفنا في الميادين الرسمية لعرفت أننا دفعنا ثمن الاعتزاز بدولة البيان
قد ينوشك أقوام لا يعرفون كيف توحدت توحد الليث؛ وقد يسخر منك أقوام يرون الزهد في التودد إلى المقامات العالية ضرباً من الجمود؛ وقد يوافيك أجلك وليس في جيبك ما يشيعك به أهلك إلى مثواك الأخير، فما رأيك فيمن يدعوك إلى الاعتصام بالوحدانية الأدبية لتلقي الله وأنت رجل لم يعرف الخضوع لصاحب العزة والجبروت إلا تأدباً مع ذاته العالية؟
هل تعرف لأي سبب لا ينبغ من أرباب القلم غير آحاد، ولو كانوا في أمة تبلغ المئات من الملايين؟
إنما كان ذلك لأن رسالة القلم تشبه الأمانة التي تهيبت حملها السماوات والجبال
وهل تعرف لأي سبب فتر شوق المصريين والشرقيين إلى مسايرة الأقلام العربية، على نحو ما كانوا قبل أعوام قصار أو طوال؟
إنما كان ذلك لأن المفكرين صاروا أصحاب منافع ومطامع، فهم يتوددون إلى طبقات المجتمع ليحكموها باسم الغيرة المصطنعة على أمالها الضوائع. ومن هنا قل في هذا العصر من يخاطر بمواجهة تلك الطبقات بالرأي الحق، لأن ذلك يقصيه عما يتسامى إليه من المناصب، ويصوره بصورة من يعادي المجتمع، المجتمع الذي أسرف في تدليله من زينت لهم الدنيا أن يتسلحوا بسلاح الرياء الاجتماعي، وهم قوم لا تصح نسبتهم إلى المصلحين إلا مع التسامح البغيض
أين في زمانك من خاطر بمركزه في المجتمع، كما خاطر قاسم أمين؟
وأين في بلدك من رحب بتهمة الكفر في سبيل الإصلاح الديني، كما خاطر محمد عبده، وعبد العزيز جاويش؟
وأين جهود الكتاب المفكرين في هذا الزمان؟
لقد أصبح من الآفات المألوفة أن يتحكم الجمهور في الكاتب كما يتحكم في المغني. ومن العجب أن يتحرر المغني ولا يتحرر الكاتب. فالمغني يضع أمام جمهوره لوحة كتب عليها