المهيمنة الحكيمة التي أبدعت كل شيء صنعا.
وإذا تأمل القارئ هذه القصيدة التي نسوقها إليه الآن، رأى مصداق هذا الكلام، قال طاغور:
(كلا، ليس لك أن تفتق البراعم في شكل الأزاهير
(هز البرعم ما شئت، أو أضربه، فلن تقدر على جعله زهرة، لأن ذلك فوق ما تستطيع
(إنك لتلوثه إذ تلمسه، وإنك لتقطع وريقاته إرباً إرباً ثم تلقيها في التراب
(غير أنه لا لون يظهر ولا عطر يفوح
(آه. . . ذلك لأنه ليس لك أن تفتق البرعم زهرة
(وإن من في استطاعته تفتيقه، هو الذي أبدع صنعه، فسواه بهذه البساطة واليسر
(إنه ليرمقه بنظرته، فإذا بدم الحياة يتسرب في تضاعيف عروقه، ومن أنفاسه تفتح الزهرة أجنحتها لتخفق في مهب الرياح
(ثم تنتشر فيها الألوان انتشار الأشواق في القلوب. . . ويفوح منها العطر لينم فيها عن سر جميل
(إن من في استطاعته تفتيق البرعم في شكل زهرة هو الذي أبدع فسواه بهذه البساطة واليسر)
وأبدع مما تقدم قوله في مقطوعة رمزية أخرى تظهر ما أحس به طاغور العظيم من بون شاسع يفصل دنيا الناس عن دنيا مثالية، وكأنه بذلك كان يندد بفكرة البشر المادية ويحلق في سماوات تصوفه وتأملاته العالية وذلك حيث يقول مخاطباً حبيبه:
(حينما اعتزمت على تصويرك نصباً اقتطعته من حياتي لأقدمه إلى الرجال ليعبدوه، جمعت - لذلك - ترابي ورغباتي وجميع أوهامي التي زانتها التهاويل، وما عندي من أحلام)
(وعندما سألتك أن تقيمي لحياتي نصباً تقدينه من قلبك جمعت نيرانك وقوتك إلى الحقيقة، وضممت إلى ذلك كله المحبة والسلام)
فانظر كيف رمز إلى المثل الأعلى في المقطع الأخير ووشحه بغيره مما في النفس الآدمية من دعوة للقوة والنار