للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التعرف إلى ما ينطوي عليه القلب والروح من أسرار وغرائب وأعاجيب، وقد كنت أخشى أن ينقضي العمر قبل الظفر بذلك المطلب المنشود

وأظهر ما عرفت به تلك الخصائص هو الشوق إلى إدراك سرائر الوجود، بما فيه من النقائض لمن يجهل ما أقيم عليه من الأساس، كأن يجتمع فيه البغض والحب والدمامة والجمال

وأعجب العجب أن يصح عندي أن ليس في الدنيا شر بالمعنى المعروف لهذا اللفظ، فما مرت بي أزمة إلا أحمدت عواقبها، وعددتها من فضل المنعم الوهاب، ولا تنكر صاحب أو صديق إلا كان ذلك التنكر فرصة لدرس أهواء النفوس والقلوب

وأعجب من هذا أن تكون الوشايات والنمائم والأراجيف مصدر قوة واستعلاء، فما أذكر أبداً أني تهيبت أقوال الناس، أو نصبت لأوهامهم أي ميزان، إلا أن يلتفت ذهني إلى الاستفادة من ذلك في أبواب التعليم والتثقيف

وأنا أبتسم كلما ناسا يتوهمون أن في مقدورهم أن يأمروني فأطيع، كأنهم يجهلون أني أؤرق جفونهم عامداً متعمداً ليعرفوا كيف الاستصباح بظلام الليل، وليهتدوا إلى السر المكنون في سواد المداد

والحق كل الحق أني رجل طيب القلب، وتلك الطيبة هي سر شقائي بالناس، فأنا أريد أن أرفع الغشاوة عن قلوب أهل الجمود، ولن ترفع تلك الغشاوة بغير مشرط يؤلم ويوجع، وإن كان لا يريد غير النفع الصحيح

ولو كانت غايتي من حمل راية القلم هي الانتفاع المادي لسلكت سبيلاً غير هذا السبيل، فللأقلام ميادين تصل بأصحابها إلى الثراء العريض، ولكن أين هذا مما أريد؟ وما قيمة الدنيا وأمعائي لا تتسع لغير وجبة واحدة في كل يوم، وما أراد الله أن أعرف مهني الظمأ والجوع في غير المعنويات؟

غايتي الأصيلة هي رفع الغشاوة عن قلوب الجامدين من أبناء هذا الجيل. والجهاد في طب القلوب قد يفضل الجهاد في طب العيون

فما ذلك الصراخ الذي ينبعث من بعض الجرائد والمجلات؟

وما بال قوم يشهدون على أنفسهم بالضجر من كلمة الحق، وكان الظن أن يكونوا رسل

<<  <  ج:
ص:  >  >>