وما بال فلان يحشد جيشاً من الثرثارين لإيذائي، ولي عليه فضل سيذكره صاغراً أمام العزة والجبروت، إن كان لمثله يوم البعث مكان؟
أما بعد، فما أردت بهذه الكلمات غير المناجاة الروحية، وأناجي روحي فأقول:
من أي جوهر صاغك الله، أيها الروح، وقد بقيت سليما على رغم ما اعترض طريقك من ألوف الصعاب والعراقيل؟
واجهت بلادك وزمانك بكل ما تريد بلا تهيب ولا إشفاق، وبغي عليك الأصدقاء قبل الأعداء، ثم بقيت رحيما بالعدو، وبرّاً بالصديق، كأنك لم تدرك ما بيت أولئك وهؤلاء
من أي جوهر صاغك الله، أيها الروح، وقد غلبت من من غلبت وقهرت من قهرت، مع الترفق الشديد بصرعاك؟
يمر بك المناضلون مرور الطيف العابر فلا يبقون غير لحظات ثم يختفون، وإن كان مرورهم أعنف من الكابوس الثقيل؛ ثم تبقى أنت في سنة ١٩٤١ كما كنت في سنة ١٩١٩ ولا يكون لمناضليك غير الازدهاء بأنهم ساجلوك ساعةً من زمان، وذلك حظهم في هذه الدنيا من أصول التشاريف
أيها الروح، صاغك الله كما أراد، فله الحمد وعليه الثناء
أسرار المدينة الأوربية
لم تمر على أوربا أزمة أقسى وأعنف من الأزمة التي عانتها في العامين الأخيرين، فقد اندحرت ممالك كنا نرى اندحارها من المستحيلات، واستطالت شعوب لم نكن ننتظر أن تستطيل وصح عند الأكثرين أن المدينة الأوربية أفلست كل الإفلاس، بعد خيبتها في إقرار قواعد العدل والسلام
وأقول إنه يجب أن ندرس أوربا من جديد، وأن نستعد لدفع شرها كل الاستعداد، فمن الظاهر أن طمع طغاتها لن تكون له حدود، وأن عللونا بمعسول الأماني والمواعيد
وآفتنا منذ أزمان هي الغفلة عن مرامي المدينة الأوربية، وفهم ما تقوم عليه من قواعد وأصول، وقد نعرف ثم نكتم ليصح وفاؤنا للشرق، كأن من الحرام أن ندل قومنا على مصادر الحيوية في أقطار الغرب!! وهناك آفة أفظع وهي غفلة بعض من عاشوا في أوربا