درجات الذكاء، وكان سريع الحكم في ثقة واطمئنان، وكان
خطيباً بارعاً ذاق اللسان فصيحاً، وكانت موهبته من هذه
الناحية موهبة طبيعية لم تأت عن طريق الدراسة ولا عن
التجربة، إنما أتاه الله حظاً عظيماً من الفصاحة والبلاغة جعله
يسيطر على مواطنيه، فيملك عليهم مشاعرهم ويوجههم أنى
شاء، فأسلسوا له القياد، وجعلوه يتربع على مكان الزعامة
فيهم. وقد تمكن من هذه الزعامة وأستأثر بها، حتى أنقذ بلاده
من خطر داهم كاد يقضي عليهم، فأحرز لها نصراً حاسماً
نقلها من دولة صغرى إلى دولة كبرى لها إمبراطورية
ضخمة، وتتحكم في موارد البلاد المجاورة وتشرف على جزء
كبير من شرق البحر الأبيض المتوسط. فتكبر وتغطرس،
وطغى وتجبر؛ ولكنه كان رجلا لا كالرجال، وعبقرياً لا
كالعبقريين. تضطرنا عبقريته إلى التغاضي عن كثير من
عيوبه، لان هذه العبقرية من النوع الذي يجعلنا ننحني أمامه
إجلالاً واحتراماً. وهو كغيره من الشخصيات العظيمة التي
أحدثت انقلاباً هائلا في تاريخ بلادهم مثار نزاع بين كثير من
المؤرخين ولا سيما القدماء منهم مثل أبي التاريخ هيرودوت،