يحتاجوا إلى أسندة من العطف والإشفاق على صفحات الجرائد والمجلات، وإن كان ذلك من الأساليب المألوفة في العصر الحديث.
إن الذي يعوزك هو الثقة بنفسك، لتأنس بقلمك، فلا تشعر بضجر الاغتراب في بلدك وبين قومك، فقد كتب الله الغربة على أهل الفكر والعقل، ولو عاشوا في رحاب عشيرتهم الأقربين. . . ألا تذكر قول أبي تمام في اغتراب أحد الفضلاء: غربته العُلا على كثرة الأهل فأمسى في الأقربين جنيبا فليطل عمرهُ فلو مات في (مَرْوَ) مقيماً بها لمات غريباً.
فما رأيت أصدق من هذين البيتين في وصف ابتلاء أهل الفضل بالغربة والتوحد، وإن كانوا محفوفين بالمئات من الأصحاب والسجراء، ولا نظرت في هذين البيتين إلا حمدت الأقدار التي قضت بأن يكون في ماضينا الأدبي معانِ كهذه المعاني. . . طيب الله ثراك يا حبيب!
على أنه لابد من لومك على ما استجزت من إعلان التبرم بالناس، ففي رسائلك إلى ما يشهد بأنك على جانب من الغفلة، فقد كنت تتوهم أن الناس سيقيمون لك التماثيل في حياتك، لأنك واجهتهم بالطرائف الروحية والذوقية، وفاتك أن تذكر أن (كل ذي نعمة محسود) وأن الفضل قد يعد من أكبر الذنوب، لأنه يمنح أصحابه سلطاناً لا يزول، ولأنه الآية الباقية على الزمان، الآية التي تشهد بأن لله حكمة في إعزاز أرباب المواهب، ولو كانوا فقراء الجيوب، والفقر فقر القلب لا فقر الجيب. . .
يجب أن تعرف أن الذين يحاربونك لأنك جهرت بهذا الرأي أو ذاك، لا يحاربونك مجاهدين، وإنما يحاربونك مغتاظين، فهم حطب جهنم، ولو غطوا أقوالهم بألف رداء من أردية الرياء هل تفهم قول أبي فراس؟
ومن شرفي أن لا يزال يعيبني ... حسود على الأمر الذي هو عائب
افهم هذا البيت، فما وجدت من يفهمه على الوجه الصحيح معنى هذا البيت أن الشاعر يؤخذ بأقوال وأعمال يتمنى عائبوه أن تكون من زادهم المكسوب، وكذلك يتمنى خصومنا أن تخلع عيوبنا عليهم، لأنهم يعرفون أنها عيوب رجال، وعيوب الرجل هي العسف والسيطرة والاقتحام في ميادين لا يطيقها غير الفحول.
فإن صدقت فراستي فيك فستكون لك أنصبة ضخام مما يجيده صاغة الزور والبهتان،