وسيكون حاضرك وماضيك هدفاً لكل أفاك أثيم، إلا أن ترى الأقدار أنك جدير بالرحمة من حمل الأمانة الفكرية والعقلية، فتردك شبحاً لا يثور عليه حاقد ولا حاسد ولا جهول.
أسمع، يا صديقي!
في كل ميدان تقوم جماعة من أهل الشجاعة والاستبسال، فهذه جماعة تقاتل في ميدان الوطنية، وتلك جماعة تخاطر في ميدان الاقتصاد، إلى آخر ما أعرف وتعرف من أنواع الجماعات، فكيف يخلو ميدان (الفكر الحُر) من جماعة تصاول في سبيل حمايته من طغيان أهل الغفلة والجمود؟
وكيف يخلو زماننا من رجال يضحون بمنافعهم في سبيل الحرية الفكرية؟
وبأي وجه نلقى الله إذا تراجعنا وبأيدينا أسياف الحق وهي أقلامنا؟
الجبن جائز على أي مخلوق، إلا أن يكون من حملة القلم أو السيف، فإن كنت منا فأقدم غير هياب، وإلا ففي ميدان السلام الرخيص متسع للجبناء.
أخوف ما يخافه المفكرون من أبناء هذا العصر هو أن تصبح أعراضهم مضغة في أفواه الغافلين والجاهلين، وما خطر ذلك وهو هباء في هباء؟
إن لحومنا لحوم الأسود، ولا تدخل مضغة منها جوف رجل إلا مزقته أفظع تمزيق، وسوف يعلم المرجفون نبأ هذا النذير بعد حين.
ثم اسمع، يا صديقي
هل تعرف الأثر الذي يقول (من مات غريباً مات شهيداً)؟ كان المفهوم أن المراد هو الغربة الجسمية، كأن يموت الرجل في بلد غير بلده، فكيف يصير من يموت وهو في غربة روحية أو عقلية؟
عند الله ندخر الجزاء على هذا الاغتراب، وكيف يغترب من يأنس الله ويكاد يراه في كل وقت وفي كل مكان؟
إليك أوجه أشواقي، أيها المحبوب، وذلك هو اسمك عند الصوفية. إليك أوجه أشواقي، فلولا الإيمان بسمو حكمتك في خلق الوجود على هذا الأسلوب لكانت الإقامة في بعض نواحيه جحيماً لا يطاق.
وأنا مع ذلك عاتب، فما الذي يمنع من أن ترفع الحجاب لأعرف بعض ما أجهل من أسرار