الشعبية على أكمل وجه، ولكنها مضطربة موزعة الفكر بين هذا التعليم وغيره من أنواع التعليم الأخرى. وأعتقد - غير مغال - أنها قد فشلت فيها جميعاً! وقد ترتب على ذلك أن صار هذا الجيل إلى فشل خطير. أصبح معه عاجزاً عن الكفاح في الحياة من أجل كسب القوت.
ثم إن وزارة المعارف تضاعفت ذلك الخطأ بإغفالها الحاجات الفردية والاجتماعية في ميداني التعليم والتربية، واهتمامها بالتعليم النظري القليل الثمرة في عصرنا هذا أكثر من اهتمامها بالتعليم المهني الغزير الفائدة. فقد بلغت نسبة إنفاقها على النوعين ٤: ١ مع أن العكس هو الأولى والأحجى. نعم إن مصر شعب زراعي ولكن المزارع المصري ما زال يعيش بعقلية آبائه وأجداده حتى أصبح عاجزاً عن متابعة تقلبات الأسواق المحلية والعالمية التي يصّرف فيها محصولاته، فقد سيطرت العقلية الجديدة المثقفة على كل شئ: على الحقل والمصنع والمتجر والسوق. ومصر ككل شعب زراعي لا تستطيع أن تعتمد في معاشها على الزراعة وحدها وخاصة أن في جوف تربتها مواد أولية ثمينة، وجوها مناسب لصناعات عديدة، وبها فعلاً نهضة صناعية متوثبة.
ووزارة المعارف تأبى إلا أن تخطئ في كل شئ. فمصر برغم كونها بلداً ديمقراطياً يعيش على فأس الفلاح وجهد العامل، وبرغم أن الشعب المصري (يتمتع) بنسبة من الأمية لا مثيل لها في العالم، فإن وزارة المعارف لا تبذل من الجهد، ولا من المال على التعليم الأولى والإلزامي الخاص بهاتين الطبقتين قدر ما تبذله منهما على التعليم الخاص بأبناء الطبقات الميسورة والراقية. ومعنى ذلك أن في مصر الديمقراطية تعليماً أرستقراطياً! وهو أمر من الأمور الكثيرة المعكوسة في بلادنا العزيزة!
٣ - فساد البرامج التعليمية
من أبسط القوانين البديهية أن الوسائل تخضع للغايات وتخدمها، وليس العكس، لأن الوسائل فانية متغيرة، أما الغايات فمن صفاتها الثبات والدوام. ومن المعروف أن البرامج الدراسية ليست بذاتها غاية مقدسة، وإنما هي وسيلة لغاية اجتماعية وقومية. ولكن مصر جرى فيها العرف على أن تفنى الغايات في الوسائل. وهذه القاعدة مطبقة على التربية والتعليم. فقد ضحيت التربية على مذبح التعليم دون أن يستفيد التعليم من هذه التضحية!