من بعد أن ذهب رجاؤهم في الحياة. وكان من بينهم نفر ذهب الرعب بصوابهم فزادوا الحال خبالا
وعلم الربان أن السلطات لن تسمح بدخوله المرفأ الذي كان يطلبه على هذا الحال، فنكب عنه، وسار بحذاء الشاطئ يطلب مرسى آخر، وبعد ساعات وصل إلى ميناء صغير لهولاندا. وازدحم الرجال على ظهر السفينة، وفي عيونهم بريق الأمل، وفيها كذلك بريق الدموع.
ولكن كان الربان اضطر إلى ان يستعين على قيادة السفينة بأيد تعوزها الخبرة وينقصها المران، فلم يستقم سيرها، وظهر كانتا لا تعرف إن تميل ولا إلى أين تقصد، أو كأنها تدري ولكن لأمر ما تخشى وتخاف. فأثار ذلك الريبة في موظفي الميناء فخرج إليها ضابط هولاندي في قارب ومعه بعض الجند، فلما بلغ صاح مترجمه الصيني إلى رجال السفينة يسأل ما بها. فصمت الجميع ونطقت الجثث المترامية على ظهرها.
فصرخ الضابط:(إنها الكوليرا. الكوليرا السوداء. لا سماح بالنزول وإلا هلك من في الجزيرة جميعا. يا مترجم. صح بهم أن لا أمل في النزول. وانهم إن أبو نسفت السفينة بمن بها).
فكان بالسفينة هرج، وفيها مرج شديد، واصطفت تلك الوجوه الجوفاء الشاحبة تطل على القارب تبكي وترجو في ذعر ودهش من ان تبلغ القسوة هذا المبلغ من الإنسان. وتحول الضابط بنظره عنها وفي قلبه إحساس قوي اليم بأنه إنما حكم بالموت على هؤلاء التعسين، ولكنها الأوامر لم يكن باستطاعته مخالفتها، وغير ذلك فلم يكن في الميناء محجر صحي ينزل هؤلاء الأشقياء فيه واجتمع الربان بوكيله، واعتزما أن يعبرا البوغاز إلى الشاطئ الآخر يحاولون النزول على شاطئ الملايا كان هذا آخر أملهم فتمسك الرجال به تمسك الغريق بقطعة خشب عائمة، فقام من استطاع منهم بالمعونة لنصل السفينة سريعا إلى منزل الخلاص. وجاء الليل فمرض الوكيل وذهب. وجاء دور حكيم فدافع المرض بقدر ما في جسمه من قوة، ومر بكل أدوار الوباء وآلامه. ونظر إلى صديقه سكيم والداء يملؤه، يرجوا ويسترحم ويطلب تخليصه، ولكن سكيما فر، فحكيم لم يكن في تلك الساعة صديق طفولته وصباه الذي كان يعرف، ولكنه رجل يزفر الموت في أنفاسه وجمع القبطان رجاله، وذكر