لطواعيتك لآداب المجتمع إن خَلَتْ تلك الطواعية من النية. . . وهل يثاب من يقرأ القرآن على طريقة الببغاء؟
لقد أنكر قومٌ صحة الصوم بالنسبة إلى من لا ينوي الصيام. فما معنى ذلك؟ معناه أن العمل بلا نية ضياع في ضياع
وأنت قد رأيت ناساً تأدبوا بأفضل ما أُثِر من آداب المجتمع، ثم ظلوا متخلفين. ورأيت ناساً ثاروا على المحمود من تقاليد المجتمع، فما ضرَّهم ذلك ولا فاتهم شيء من الطيبات. فهل تعرف سرّ هذه الظاهرة الحيوية؟
يرجع السرّ إلى أن النية هي الأصل في موجبات الضر والنفع؛ فالذي يساير التقاليد الحميدة خضوعاً للمجتمع بدون أن يكون له في الإيمان بها نصيب يظل طول عمره ضعيف الكفاية الأخلاقية؛ وقد يُنسى فلا يشهد يوم الحساب، لأنه صار أداة آلية، ومن كان كذلك فلا مكان له بين من يستحقون الحمد، ومن يستأهلون الملام. . . والذي يثور على المجتمع وهو مؤمن بأنه على حق - وإن كان في الواقع من المبطلين - هذا الثائر قوي جداً من الوجهة الأخلاقية، وهو أقرب إلى الله ممن يسايرون التقاليد الحميدة وهم غافلون عن مدلولها الصحيح.
وهنالك طبقة منحطة أبشع الانحطاط، وهي الطبقة التي تثور على التقاليد المحمودة بلا نية ولا إرادة ولا عزيمة، وإنما تصنع ما تصنع على سبيل التظرف السخيف، لأنها سمعت أن الثورة على تقاليد المجتمع تعد أصلاً من أصول التمدن الحديث، وهذه الطبقة هي التي تعوَّق الوثبات الإصلاحية، وهي التي تعطي الحجة لأهل البلادة من دعاة الخضوع لقديم التقاليد، بلا تفريق بين الزائف والصحيح.
وهؤلاء المتظرفون السخفاء هم خصومنا الألداء. فإليهم يرجع السبب في نفرة الجمهور من الوثبات الإصلاحية، وإن كان حالهم أقل بشاعة ممن يسايرون القديم على علاته ليسرقوا ثقة المجتمع الغافل عن مسالك أهل الرياء.
والرأي عندي أنه لا قيمة لأي عمل إن لم يَصدُر عن النفس بحرارة وإيمان، وإن كان في ذات نفسه من جلائل الأعمال، لأن القيمة الأخلاقية ترجع في جوهرها إلى النية الصحيحة.