أبداً إلا إذا راعى أهواء المسُوسين، وفيهم الأحمق والعاقل، والبليد واللبيب، على تفاوت في هذه الصفات لا يسرني أن أقول رأيي فيه بغير التلميح.
وعلى هذا يضعف الأمل في انبعاث الثورة الفكرية من بيئات السياسيين، كما ضَعف الأمل في انبعاث تلك الثورة من بيئات الموظفين.
فإلى أين تسير بلادي الغالية؟ وكيف يجوز أن يمرّ بها زمن طويل أو قصير وهي محجوبة عن أقباس الحرية الفكرية؟
هذا رجل يظاهر التمدن القديم ليقتات من فُتات الرجعيين، وذاك رجل يظاهر التمدن الحديث لينتفع بجاه أدعياء التجديد، وذلك مخلوق يساير أولئك وهؤلاء بلا بصيرة ولا يقين، لأنه في حقيقة أمره حيران، أو لأنه أَلِف السمسرة في ميدان الأخلاق!
الرجعي المؤمن بالرجعية غير موجود، وإنما هو شبَح يتوهم أن له منفعة في مؤازرة الرجعيين المزيفين.
والمجدَّد المؤمن بالتجديد موجود، ولكنه غير مزوَّد بالشجاعة الوافية، بدليل أنه يترك أخاه دَريئةً لسهام السفهاء، فلا يدفع عنه كلمة البهتان، ولا يمدّ إليه يد المواساة حين ينتاشه الأغبياء!
إلى أين تسير بلادي الغالية؟ إلى أين؟ إلى أين؟
لم ينبغ في عصرنا مؤمن في مثل حماسة الغزالي، ولا صوفي في مثل روحانية أبن الفارض، ولا مرتاب في مثل عقل أبى العلاء، ولا فاجر في مثل ظرف أبي نؤَاس. . . فبأي وجه نلقي الله وقد خلا وادينا العزيز من أمثال هذه المعاني؟!
أتقدَّم إلى الله حطبَ جهنم وهم المذبذَبون بين القديم والحديث؟!
وكيف نجيب إذا هتف هاتفٌ يوم القيامة بأن المصريين في بعض عهودهم لم يراعوا حقوق واديهم الجميل؟
قد يقال: إن عندنا رجالاً يثورون على ركود المجتمع من وقت إلى وقت؛ وهذا حق، ولكن ثورتهم في أغلب أحوالها من الحديث المُعاد، فهي في ضعف المبتذلات؛ فالنائب الذي صاح مرة بأن المصريين مختلفون في الأزياء لم يأت بجديد، فقد سمع الناس هذه الصيحة قبل أعوام تُعدَّ بالعشرات. وهذا النائب نفسه لا يستطيع أن ينكر أن اختلاف الأزياء لم