وتفصيل ذلك أنها تستنفد بالتدريج كل العناصر الصالحة في المدارس الابتدائية الأميرية والثانوية الحرة - أولئك الذين ينجحون في المسابقة - فتعنيهم الوزارة في مدارسها أو تنقلهم إلى التعليم الثانوي. ولا يبقى بعد هؤلاء إلا العاجزون - فرضاً - عن النجاح؛ فينحط مستوى التعليم الابتدائي عامة ومستوى التعليم في المدارس الحرة التي تنهض بعبء كبير في ميدان التعليم.
هذا كله من ناحية، ومن ناحية أخرى أن المدرس الذي يشغل وقته بتحصيل ما في هذه الكتب المطولة الكثيرة العدد، لا يستطيع أن ينهض بواجبه في خلال العام المدرسي لتلاميذه وقد يرسب فيعاود الكرة في عام آخر. والتلاميذ هم الذين يؤدون ثمن الاستذكار الدائم لمعلومات متفرقة لا يزيد تحصيلها شيئاً في مقدرة المدرس الثقافية في جميع الأحوال. ولا في مقدرته العلمية في كثير من الأحول.
هذه العيوب الأساسية في نظام المسابقة الحاضر يمكن التفادي منها بأتباع قواعد أخرى:
أولاً: أن تتجه المسابقة إلى اختبار ثقافة المدرس ونموها الدائم واختبار عقليته في الوقت ذاته. وهذا الاتجاه يقتضي أن يكون الأساس الأول للاختبار رسالة علمية أو أدبية في علوم اللغة العربية وآدابها القديمة أو الحديثة، يناقش صاحبها فتبين مقدرته وتقاس ثقافته وعقليته. ولا ضرر - إذا لم يكن بد من قياس التحصيل - أن يتبع نظام (التعيين) الأزهري القديم في بعض المواد لمعرفة المعلم على التحصيل والاطلاع في مختلف المؤلفات.
ثانياً: أن يمنح الناجح في هذه المسابقة درجة علمية تبرز الجهد المبذول فيها تقابلها درجة مادية تحفز الهمة وتقوي العزيمة. ويمكن الاستدلال من رسالته على الناحية التي يبرز فيها فتستغل خير مواهبه في تدريس هذه الناحية ولا سيما في الفرق الثانوية المتقدمة!
ثالثاً: ألا تكون نتيجة النجاح الحتمية هي النقل إلى التعليم الثانوي. وأقول النقل لا كما تسميه وزارة المعارف ترقية، فهذه الترقية لا وجود لها. بل توزع هذه الكفايات بعد منح أصحابها الدرجة العلمية والدرجة المادية على كل فروع التعليم. فتتوازن خطواته وتتعادل دعاماته. وليس التعليم الثانوي بأجدر من التعليم الابتدائي بالعناية والكفايات العلمية.