للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتمت الأعجوبة حين رأى أقطاب وزارة المعارف يفدون لتوديعه وهم رجال لا تسمح شواغلهم بأداء هذا الواجب في مثل هذه الأيام المثقلة بالتكاليف.

وقد تأثر الدكتور الجمالي بهذا المنظر فكاد يبكي من جديد، ثم صده حضور صاحب الفخامة نوري باشا السعيد، فقد أخذ يسألني عن صحة ليلى بعبارات لا تخلو من فكاهة ومزاح.

ودوى صفير القطار فتحاجز المودعون، وانخرط الدكتور الجمالي في البكاء، البكاء الذي لا يجيده في مثل هذا الموقف غير كبار الرجال.

وما الذي يمنع الدكتور الجمالي من البكاء لفراق القاهرة، وقد عاش فيها شهرين بعين المحب وقلب الصديق؟

لو كان الدكتور الجمالي من الشعراء ونظم في توديع القاهرة ألف قصيدة لكان تعبيره عن أساه أقل بياناً من تلك الدموع النبيلة وقد جاد بها قلب نبيل.

الثقافة المصرية

حدثني الدكتور الجمالي قال: (شغلت عن مسايرة الثقافة المصرية نحو عشر سنين، بسبب التفاتي إلى الثقافة الإنجليزية، ثم كانت هذه الزيارة فتحاً جديداً، وقد اشتريت من المؤلفات المصرية ما ملأ حقيبتين كبيرتين، فحبي القديم لمصر أضيف إليه حب جديد، كنت أحبها للأخوة العربية، فصرت أحبها الأخوة العلمية، وإعجابي بتقدم مصر العلمي جاوز ما كنت أقدر من الفروض)

ومع أنه زار مصر في أشهر العطلة المدرسية فقد عرف كيف يدرك ما عندنا من مذاهب الحياة التعليمية، بفضل صلاته الوثيقة برجال التعليم، وفضل ما فطر عليه من حب الاستقصاء.

وليس معنى هذا أن مصر وصلت إلى ما لم يصل إليه أحد في العالمين، ولكن معناه أن الرجل شغل بالمحاسن عن العيوب، فلم تقع عيناه في مصر على شيء غير جميل.

وهذه النظرة الودية هي أساس التعارف الصحيح، والداعون إلى الوحدة العربية فاتهم هذا الجانب، وهو الابتداء بخلق صلات روحية وذوقية تصل العربي عن طريق الحب الصفاء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>