يعتقد في صحة ما سجله؟ وهل توفرت المبررات التي جعلته يعتقد صحة ما كتبه؟. . . وأساس النقد والحذر والشك في معلومات الأصل التاريخي، ثم دراسته وفهمه واستخلاص الحقائق من ثناياه. والناس يتكلمون عن ضرورة النقد ولكن من الناحية النظرية فقط؛ وهم في الغالب لا يميلون إلى تطبيقه عملياً. والإنسان في أحوال كثيرة ينقد الغير ولكن لا يجب أن يذكره الغير إلا بالمديح والثناء! والإنسان في أحوال كثير أيضاً أميل إلى الكسل والإهمال. والإنسان في حياته اليومية قد يكون أميل إلى تصديق ما يصادف هوى في نفسه، وأبعد إلى تكذيب ما يصطدم بعواطفه ورغباته.
والإنسان في حياته اليومية أيضاً لا يستطيع أن يقبل أقوال جميع الناس بنفس الثقة وبنفس التقدير، لأن الناس جميعاً لهم قيم وأغراض وأهواء مختلفة. وأصحاب النفوس الزائفة يكذبون وينافقون ويغررون للوصول إلى الأغراض والمطامع. أو ليس ذلك أدعى إلى الخداع والعبد عن الحقيقة السافرة؟ فإذا كان هذا هو حال فيما يتعلق بالحاضر فما بالنا بحوادث الأمس، والأمس البعيد؟ ولقد استخدم المؤرخون في الزمن الماضي الأصول التاريخية بدون نقد أو حذر فوضعوا تعميمات خاطئة. وإنه لأسهل على الإنسان أن يصدق بغير مناقشة وأن يوافق بدون نقد وأن يجمع الوثائق والأصول التاريخية بغير تقدير أوزن دقيق ولكن لا يستطاع الوصول إلى الحقيقة التاريخية بدون نقد الأصول كل على حدة وبدون الموازنة بينها وتحديد العلاقة بين المعلومات الواردة في كل منها، ويستغرق ذلك زمناً طويلاً ولكن البحث العلمي التاريخي لا يمكن أن يكتب بدون ذلك. وليس هناك ما يضطر الباحث لأن يعمل فوق طاقته، بل عليه أن يقصر عمله على النقطة التاريخية المحددة التي يستطيع أن يأتي في بحثها بعمل أصلي جديد مبتكر بالنسبة للعلم كله. والباحث في التاريخ كالباحث في أي فرع من أنواع المعرفة، إذا عرف بإخلاص قيمة البحث العلمي الصحيح الذي يستوفي شروط الزمان والمكان لن يرضى بغيره بديلاً مهما كانت الظروف.
وأول مرحلة من مراحل نقد الأصول التاريخية هي إثبات صحة أو بطلان تلك الأصول. فإذا كان المصدر أو الأصل كله أو جزء منه مزيفاً أو منتحلاً فإنه لا يمكن الاعتماد عليه. وصحيح أن تزييف الأصول والوثائق اليوم أصعب منه في الزمن الماضي، ولكن دوافع