التزييف والدس لا تزال قائمة كالمطامع والأهواء والكسب وحب الشهرة. والانتحال والتزييف يوجدان في كل أنواع الأصول والمصادر. فالآثار المادية تزيف من أجل الكسب في أحوال كثيرة. ومن الأمثلة على ذلك ما حدث من وجود مجموعة من الأواني والأدوات الفخارية في أورشليم في ١٨٧٢؛ وقد دل على وجودها سليم العربي الذي كان يعمل في خدمة بعض المنقبين عن الآثار في تلك الأنحاء، واشترى بعضها متحف برلين، ولكن البحث العلمي أثبت أن هذه الآثار مزيفة. وفي الغالب كان سليم العربي نفسه هو صانعها بقصد الكسب. ومن الأمثلة على الكتابات المزيفة مجموعة من الخطابات والتواريخ والأشعار طبعت في إيطاليا بين سنتي ١٨٦٣ و ١٨٦٥ على اعتبار أنها قد كتبت عن جزيرة سردينيا في الفترة بين القرن الثامن والقرن الخامس عشر للميلاد.
ولقد أثار ظهور هذه المجموعة دهشة كبيرة في الأوساط العلمية، لأنه كان مجهولاً وجود حضارة في سردينيا من هذا النوع في ذلك العهد. وبعد نشر هذا الكتاب، وضعت الأصول الخطية في كتبة كالياري في سردينيا، وحدثت مناقشات طويلة عن هذه الآثار، فعرضت الأصول الخطية على أكاديمية العلوم في برلين لدرسها، ففحص بعض العلماء الخطوط التي كتبت بها هذه الأصول، وبحث البعض الآخر اللغة والأدب، كما ناقش آخرون المعلومات التاريخية، ووجدوا أن كل ما جاء بها لا ينطبق ولا يشابه ما عرف عن خطوط وكتابات وأدب وتاريخ سردينيا في تلك القرون، وقرر العلماء أن هذه الآثار الكتابية مزيفة.
ومن هذا النوع أيضاً نجد ملحق مذكرات (بايي) عمدة باريس وأول رئيس للجمعية الوطنية في حوادث الثورة الفرنسية وأسمه: ونشر لأول مرة في (١٨٠٤) على أنه من وضع أحد أعضاء الجمعية التأسيسية في باريس بدون تحديد الإسم؛ وعندما أعيد طبع مذكرات (بايي) في (١٨٢٢) اعتبر هذا الملحق من تأليف (بايي) نفسه. إلا أن الدكتور فلنج أستاذ التاريخ الأوربي بجامعة نبراسكا في أمريكا استطاع أن يكشف مع بعض تلاميذه في الجامعة عن حقيقة هذا الملحق؛ ووجدوا بالمقارنة الوافية أن فقراته شديدة القرب في اللغة والأسلوب والمعلومات مما ورد في بعض الجرائد التي كانت تصدر في باريس في (١٧٨٩)، مع تغيير ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم في بعض الأحيان، لكي يتفق ذلك مع مذكرات (بايي) الأصلية. ولو أن جامع هذا الجزء قد أشار إلى المواضع التي استقى منها