حتى نالهم شر وأذى. فأين مكان الإخلاص من نفس هذا الخطيب؟
إن أول شرط للواعظ أو الخطيب أن يكون مخلصاً في وعظه لله، والشرط الثاني أن يكون عالماً بالعربية، عارفاً بالتفسير والحديث روايته ودرايته، والفقه أصوله وفروعه، وإلا كان وبالاً على الدين وأهله. ولقد أدركت والله من العامة من كان يكور العمامة، ويطيل اللحية، ثم يعقد للتدريس في مسجد دمشق الجامع فيقول ما شاء له الجهل والهوى ويجعله ديناً، والمفتي والقاضي والعلماء يمرون عليه أو يعلمون به فلا يتكرون عليه، ولو اعتدى هذا الرجل على جبة أحدهم لأقام عليه الدنيا. أفكان الدين أهون على أحدهم من جبته؟ وأدركت عامياً آخر ذكيا خدع طائفة من أذكياء البلد وعلمائه فاعتقدوا به، وتأدبوا بين يديه، وأخذوا عنه تفسير الآثار. وأعجب من هذا رجل يدعي النبوة يقيم الآن في غوطة دمشق، وقد آمن به أكثر فلاحي قرية (حرستا). ولقد خبرني من شهد صلاته بأصحابه أنهم يقهقهون ويكركرون كلما جاءت آية نعيم، ويتصايحون مستبشرين ويهنئ بعضهم بعضاً، وأنهم يبكون منتحبين مولولين كلما سمعوا في الصلاة آية عذاب؛ وربما (أخذ بعضهم الحال) فقفز في الصلاة أو صاح أو التبط بالأرض. ولهذا المتنبي أو (المتعهدي) ضريبة دائمة على أصحابه يؤدونها إليه باسم الزكاة فيشتري بها العقارات والحقول. . .
والشرط الثالث حسن الأسلوب في الوعظ، ومخاطبة الناس على قدر عقولهم، وابتغاه طريق اللين واللطف. وللواعظين أسوة في ذلك بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهم من سيرته قدوة صالحة، فأين هم عنها؟ وما لأكثر من عرفنا منهم لا يعرفون إلا طريق العنف والقسوة الذي يبعد الناس عن الدين، ويغلظ قلوبهم عليه، وينفرهم منه. فلا يرون في مجالسهم شاباً من تلاميذ المدارس مثلاً إلا جعلوا الموضوع في تفسيق من يحلق لحيته، ومن يتشبه بالنساء، وأمثال ذلك، حتى تأكل هذا الشاب الأنظار، فيغرق في عرقه خجلاً؛ ثم لا يعود إلى المسجد أبداً؛ ولو أنهم حاسنوه وجاملوه لكان من المتقين. حضر درس الشيخ (بدر الدين) رحمه الله تعالى شاب حليق حاسر من شبان (المودة)، وكان الشيخ (على عادته) مطرقاً. فقال له أحد الثقلاء من الحاضرين:(سيدي، ما حكم الشبان الذين يتخنثون ويتشبهون بالنساء ويتزينون بزي الكفار). فأدرك الشيخ بذكائه النادر أن في المجلس غريباً، وفرع رأسه فلمح الشاب، فدعاه فأجلسه بجواره وأكرمه، وقال للسائل مؤنباً