يتبعون تقاليد متماثلة، ولا تجمعهم رغبات موحدة، فإن وحدة إيمانهم خلقت بينهم ألفة ومحبة تعجز عن خلقها أي وحدة سياسية أو مبدأ اقتصادي آخر.
وفي جميع زياراتي للحجاز لم أشاهد أو أسمع عن شجار واحد وقع بين أهل تلك البلاد وبين إخوانهم الحجاج، مع أن جل أولئك الناس كانوا من الذين لا يضعون حداً لمشاكلهم ولاختلافاتهم إلا بالسيف والخنجر. ولا يرجع هذا لشدة بأس الحكومة وقوة شكيمتها فحسب، بل إلى تغلغل العقيدة في نفوسهم، واستقرار الإيمان في أعماق قلوبهم.
ولا نعني بهذا أن ليس من خلاف بين الطوائف الإسلامية، ولكن الذي يمضي لزيارة الحجاز أثناء موسم الحج يؤمن معي أن في الدين الإسلامي قوى تؤلف بين معتنقيه أشد وأقوى من تلك التي تفرق بينهم. والذي ينعم النظر ويطيل التأمل في أولئك الحجاج لا بد أن يشعر بأنهم بمجيئهم إلى هذه الأرض المقدسة قد طهرا أنفسهم من أدران النفعية الداعية لكل خلاف والمسببة لكل تفرقة. وكأن القبلة التي يتجهون إليها طهرت نفوسهم وألانت قلوبهم، فصيرتها أكثر تسامحاُ وأقل قساوة مما كانت عليه قبل أن تطأ أقدامهم تربة الحجاز.
ولا أدري، أيحق لنا - نحن أبناء الغرب - أن نستمر في تبجحنا بأن المسيحية تستطيع أن تؤلف بين طوائفنا المتباينة وأقوامنا المتناحرة، فتضع بذلك أسس الإخاء وتشيد أركان المحبة في أوربا المسيحية؟ متى يا ترى نؤمن. وقد كثرت اختلافاتنا فأثرت في نفوسنا الخيلاء والفخار بأن الدين أشد القوى التي تستطيع الوقوف بوجه ما يهدد كياننا الاجتماعي من أخطار؟
يعتقد المسلمون أجمعون أن الحج للبيت أعظم ما يقومون به من عمل في حياتهم. وجلهم يؤمن بأن هذه الفريضة الدينية أكثر أهمية وأوفر أجراً من كل ما يأتيه المسلم من شعائر دينية أو من طقوس مذهبية. فالحج فريضة على كل مسلم ومسلمة، وفيه يمتحن الخالق عباده المؤمنين. ويندر بينهم من لا يعلل نفسه ويمنيها بزيارة الأرض المقدسة، ما دام أول الحج عبادة وآخره عيداً.
والغريب من أمر هؤلاء المسلمين أنهم يتهافتون على الحج على ما فيه من مصاعب ومتاعب وأهوال. وهم شاعرون بأن تلك الجهود والشدائد قد تودي بحياتهم كمال أودت بحياة الألوف من إخوانهم من قبل، فكانت خاتمة حياتهم رقدة هادئة بين طيات التربة