والحياة بعد الركود. . . ولا عليه بعد ذلك أنه ضئيل فوق زورق ضئيل يسبح في عيلم كبير. . .
فلو نظر الإنسان إلى جبروت الطبيعة وهول السماء لاستصغر جهده على الأرض مهما عظم ولم يفعل في حياته إلا ضرورات احتياجاته. وبالطبع هذا يرده ضعيفاً مستضعفاً شقياً فريسة لغيره كما كان؛ ولكنه إذا آمن برحابة نفسه وقوة فكره وقدرته على أن يفعل الأعاجيب، وأنه على ضؤولة جسده يستطيع أن يحرك الجبل وينسفه بتسليط قوة طبيعية أخرى عليه. إذاً كان هذا به أولى وعليه أنفع وأجدى، وكان هذا أشرف له إذ يجعله قوة من القوى العاملة الجبارة في الحياة
إن عليه أن يصنع ويتمتع ويتفرج بما يصنع. . . وربما يكون هناك عالم آخر يتفرج أيضاً بما يصنع الإنسان ويتمتع به كما نتمتع نحن بنتاج النحل ومنافع كل كائن أقل منا في الأرض إدراكاً واحتيالاً. . .
إن الطبيعة تغازل فكره وتثيره للعمل فيها منذ أيامه الأولى، فالطفل يبحث في محيطه ويسلط جميع حواسه على محتوياته فيراه ويلمسه ويذوقه ويتسمعه ويشمه حتى يحيط بخواصه ويثير كوامنه ويطلقها خيراً من تعطيلها وسجنها
وقد وجدنا كل ما في الطبيعة من مواردها الكبرى بسيطاً غير معقد، فياضاً بكميات كبيرة جداً، خاضعاً للتعقيد والتركيب والتأليف والتوزيع والتنويع. . . فدلنا ذلك على أن هذه المواد إنما وضعت هكذا هائلة فياضة انتظاراً لصنعة ستتناولها بها يد صناع
وكلما رأيت غزارة ماء الأمطار - وهو أصل الحياة - وكثرة المقادير التي تصبها الأنهار في البحار فتذهب من غير انتفاع إلا بجزء قليل جداً منها. . . قلت: إن هذه الكميات الهائلة إنما أفيضت لا لإخصاب السهول الحافة بها فقط، والتي تصل إليها مياهها في سهولة ويسر. . . وإنما أفيضت لإخصاب هذه الأراضي البور من الصحاري والسهوب الضمآى العقيم. . .
وكلما رأيت مناجم الأرض تمتلئ بالمعادن والركاز المعطلة وهي ذات النفع العظيم والإمتاع الدائم، قلت: هنا موارد ظلت الطبيعة تحفظها في صدرها حتى أتى يوم بعثها على يد من عرف أسرار الانتفاع بها في زمن نمو علوم الآليات والكهرباء