للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

محيط واسع عميق، وامتياحها من ينبوع زاخر بالصور والأشكال والأنواع، وقوة تعقيد فكرها وقدرتها على إحداث نسب جديد، بين العناصر والمواد. . . وهذا ما لا وجود له في الزراعة

ولكي تدرك ما أرمي إليه، فكر في الحياة الصناعية من المسمار الصغير إلى المصنع الكبير وما بينهما. . .

يلام الإنسان على غفلته عما صنعه هو بيديه وملأ الدنيا به كما كان يلام في العصور السالفة على غفلته عما صنع الله في الطبيعة

ولقد مضى زمن التخريف والضلال في العقيدة بالله رب الطبيعة، لأن الحياة لا تحتمل الجهل به تعالى إلى الحد السخيف الذي كانت فيه عبادة الأصنام والأشخاص والنجوم وغيرها. ولا تحتمل أن تجرد الطبيعة منه تجريداً كالذي كان من المعطلين منكري القصد والإرادة والعناية فيها. ولفظت العقول الأديان التي تعتمد على غير العقل في إثبات حقيقة الوجود الأولى والحقائق التي تليها؛ وعشق الناس جمال الطبيعة وصدقها، وعرفوا من أسرار الصناعة فيها، فيبقي عليهم لتكمل عقائدهم في الحياة أن يتيقظوا دائماً لمنشئها ومديرها، ويتقربوا إليه بالفكر فيه وتكريم اسمه كما يتقربون على الأقل لأساطين علمائهم الذين عرفوا من علومه جانباً ضئيلاً. . .

ولكن جد تخريف وضلال في العقيدة بالإنسان بسبب فرض لم يثبت في نظرية النشوء والترقي، أطلق حوله كثيراً من الاعتقادات الفاسدة. ومقاومة هذا التخريف الأخير هي أهم رسالات الدين في هذا العصر.

هذا الفرض جعل كثيراً من الناس لا يريدون أن يصدقوا أن بينهم وبين الله صلة محترمة أو عناية. وكأنهم يجفلون من التكريم والإحسان اللذين يقول الدين إن الله يصطنعهما في معاملة الإنسان

وهم يقولون إن حياة الإنسان بالنسبة لله تعالى حياة تافهة ضئيلة، وإن بينهما هوة سحيقة لا عبور لها، وأن الحياة الإنسانية على الأرض لا تقدم ولا تؤخر في سير الناموس الأعظم الذي ينتظم الكون. فسواء على الله وعلى الكون أن يضل الإنسان أو يهتدي، أن يعف وأن يشره. . . فتلك شئون خاصة به خاضعة لاعتبارات مجتمعه، وسوف يفني بأخلاقه وأعماله

<<  <  ج:
ص:  >  >>